وقال غيره (¬1): الحرف شديد التمكن في البناء يجذب (¬2) الاسم إليه بأدنى شيء، بخلاف الفعل فإنه ليس بمتمكن في الإعراب؛ فاحتاج في جذب الاسم إليه إلى علتين. ورد بأن الفعل لم يجذبه إلى الإعراب، بل جذبه [47ب] إلى منع التنوين الذي الفعل فيه أصل.
وقيل: بل الفرق أن اشتباه الاسم بالحرف أقوى؛ لأنه بأمر معنوي موجود في الحرف، كافتقاره إلى ما يوضحه وغير ذلك، فأما اشتباه الاسم بالفعل في باب مالا ينصرف فهو بأمر غير محقق في نفس الفعل، مثل: العجمة، والتعريف، وغيرهما. وإنما ينجر الاسم بها إلى الفرعية التي تشبه الفعل؛ فالشبه فيه أضعف، فاحتاج إلى التكرير (¬3).
الخامس: لا شك أن البناء أمر معنوي، وهو عدم تحرك الكلمة. وأما الإعراب فاختلفوا فيه هل هو لفظي أو معنوي؟ على قولين (¬4)، أي: هل هو من عوارض الألفاظ أو المعاني، كنظير الخلاف في العموم؟ غير أن الخلاف ثم يظهر له فوائد. وههنا لم تظهر لي فائدته. وعبر فخر الدين الرازي (¬5) في كتابه المحرر عن هذا الخلاف (¬6) بأن الإعراب هل هو حسي أو عقلي؟ واختار أنه عقلي؛ متمسكا بقول الشيخ عبد القاهر (¬7): الإعراب ليس عبارة عن الحركات أو السكنات الموجودة في أواخر الكلمات، بدليل وجدانها في آخر المبنيات، والإعراب غير موجود فيها، فهذه الحركات ليست (¬8) نفس الإعراب، بل الإعراب استحقاقها لهذه الحركات بسبب العوامل المخصوصة [48ب]، وذلك الاستحقاق أمر معقول لا محسوس. وادعى بعضهم (¬9) أن إطلاقه على نفس الحركات مجاز، وعلى الإبانة عن معنى الشىء حقيقة. قال: لأن تلك [27أ] العلامات ليست بإعراب في الحقيقة. وإنما الحقيقة ما ينشأ منها ويحدث عنها؛ فسميت باسم ما نشأ منها تجوزا واتساعا. انتهى.
وبه تكمل في المسألة ثلاثة (¬10) مذاهب. قال ابن جني (¬11): الإعراب يستفاد من المعرب في موضعين:
صفحة ٦٤