وجوابه: أنه لم يوجد فيها شرط العلة الموجبة. وقال ابن جني [25أ] في الخصائص: "أكثر العلل عندنا موجبة" (¬1).
الثالث: ادعى بعضهم أسبابا أخر مقتضيه لبناء الاسم، منها: كثرة موانع الصرف، كما مر عن المبرد في (حذام، وقطام) (¬2). ورد بأنه ليس كل ما اجتمع فيه أكثر من علتين مبنيا، بدليل: (ضوارب، وشواتم) فإن فيهما ثلاث علل: الصفة، والجمع، والتأنيث، وهما معربان (¬3).
ومنها: كون آخر الكلمة لا يتأتى فيه تأثير بعامل في تصغير وتكبير وتكسير وتأنيث وتذكير، علل به ابن مالك للجرجاني في دعواه بناء المضاف إلى ياء المتكلم (¬4). قال: "وبهذا يفارق إعراب المقصور؛ فإن إعرابه يظهر في تصغيره، ك (فتى)، وفي تأنيثه، ك (فتاة). والمضاف إلى ياء المتكلم لا يظهر له إعراب في الأحوال الخمسة؛ فمن ادعى فيه إعرابا [مقدرا] (¬5) فقد ادعى مالا دليل عليه، بخلاف المقصور؛ فإن ظهور إعرابه في بعض الأحوال يدل على صحة تقديره في غيرها" (¬6).
ومنها: الخروج عن النظائر، قال الخفاف (¬7) في شرح الجمل [46ب]: قال به سيبويه في (أي) الموصولة، كقوله: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} (¬8) فهو عنده مفعول (ننزعن)، بنى على الضم (¬9). ومعنى خروجها عن النظائر: جواز حذف العائد من صلتها مطلقا وهو ضمير مبتدأ، سواء أكان فيه طول أم لا؛ بخلاف أخواتها؛ إذ لا يجوز حذف العائد وهو ضمير مبتدأ من صلتها حتى يكون فيها طول، نحو: (ما أنا بالذي أنا قائل لك سوءا)، فإن لم يكن فيه طول، قبح، كقراءة بعضهم: {ما بعوضة} (¬10) [26أ].
الرابع: قيل: لم كان شبه الحرف بمجرده مقتضيا للبناء واجتذاب الاسم إليه، وشبه الفعل بمجرده لا يقتضى منع الصرف واجتذاب الاسم إليه، بل لابد معه من علة أخرى؟
وأجاب ابن برهان بأنه لما كان الفعل قريبا من الاسم؛ لأنه مشتق (¬11) منه وأعطى حكمه في الإعراب، لم يؤثر شبهه فيه بمجرده؛ فلابد من علة أخرى تخرجه عن حقائق الأسماء المنصرفة، بخلاف الحرف؛ فإنه بعيد الشبه من الاسم؛ فلهذا كان وحده كافيا في الاجتذاب إليه (¬12).
صفحة ٦٣