Castallane
في مقاطعة الألب السفلى، وربما كانت ثروة آل كاستلان الحاضرة راشحة عن تلك الفتوحات، ولا ينبغي أن ننسى أن العرب كانوا أيضا قد أجلوا عن مدينة رييز في (الألب السفلى) فإنه في كل سنة يحتفل أهالي هذه البلدة بعيد خلاصهم منهم الذي يصادف يوم العنصرة.
وقد استولت الكنيسة أيضا على كثير من الأراضي التي كانت بأيدي المسلمين، وذلك لأن رجال الدين المسيحي كانوا قد أصيبوا أكثر من سواهم بهذه الغارات العربية وتهدم كثير من أديارهم فلذلك كانوا هم دائما في طليعة الحركة لإجلاء العرب، فنال أساقفة فريجس ونيس نصيبا كبيرا من الأراضي التي كانت بأيدي المسلمين، وفي طولون وقع نزاع بين الأهالي على الأراضي التي كانت للمسلمين؛ لأنه كان قد طال حكم العرب لتلك البلدة فدثرت آثار التملك القديم وأصبحت الحدود مجهولة، فجاء الكونت غليوم من آرل وأجري التقسيم بين الأديار والأهالي والأمراء، وأرضى الجميع، ولذلك بقي لغليوم هذا اسم كبير في التاريخ، وأطلقوا عليه لقب أبي الوطن.
فقد تقرر إذا أن سقوط حصن فركسينت في أيدي المسيحيين وقع في سنة 975 وأنه من ذلك الوقت لم يبق للمسلمين شيء في أرض فرنسة، نعم إن بعض المؤرخين ومنهم داليين المار الذكر يزعم بقاء المسلمين في جبال الألب مستمرا إلى ما بعد سنة 980 بل إلى ما بعد سنة الألف، ولكننا لا نثق بهذه الرواية، ونظن أنه إن كانت قد بقيت عصابات عربية في جبال الألب من بعد تاريخ سقوط فركسينت فلا تكون عصائب محاربة بل تكون عصائب مستسلمة وقد ارتدت عن الإسلام إلى النصرانية أو صار رجالها في حكم الرقيق، وبالاختصار فمن بعد ذلك العهد لم يبق على أتباع الإنجيل خطر من أتباع القرآن إلا إن كان من قبيل وقائع قرصانية كان لا بد لأجل التخلص منها من مطاردة البرابرة إلى نفس بلادهم.
وفي سنة 976 مات الخليفة الحكم الثاني في قرطبة وكان ابنه بليدا فتقلد الأمور الحاجب الملقب بالمنصور وكان آية باهرة في البسالة والإقدام وحسن التدبير بلي منه النصارى بباقعة لا نظير لها فأعاد للإسلام رونقه الأول وبث الغارات في أطراف بلاد النصرانية حتى أوقع الذعر في جميعها وعادت النصرانية على شفا خطر عظيم، وكان المنصور عندما تسلم الزمام قد بدأ بترتيب أمور الولايات الإفريقية، حيث أدخل في الطاعة جميع أهلها وجند منهم الجيوش الجرارة، واستنفر أيضا أهل الأندلس منتخبا منهم أشجع الشبان وأخذ يشوقهم إلى القتال ويمرنهم عليه، وكانت غزوات المنصور كلها في فصل الصيف، ما عدا غزاة واحدة، وذلك لأن رجال إفريقية كانوا لا يتحملون برد الأصقاع الشمالية، وبلغ عدد غزواته في مدة سبع وعشرين سنة ستا وخمسين غزوة، لم تنهزم له فيها راية ولا ولى جيشه مدبرا.
17
وكان المسلمون في الغالب فرسانا فإذا قصدوا إلى بلاد النصارى وهزموا لهم جيشا ذبحوا الرجال وسبوا النساء والأولاد وباعوهم رقيقا، فكنت ترى بعد كل غزاة من غزوات المنصور أسواق قرطبة وأشبيلية وأشبونة وغرناطة مكتظة بالرقيق من ذكور وإناث، وكان تجار الرقيق يأتون بهذه الخلائق إلى إفريقية ومصر وسائر بلاد الإسلام فتنتشر فيها، وكان المنصور يرى جهاده في بلاد النصرانية أفضل قرباته إلى الله تعالى، وكان يستصحب في جميع أسفاره التابوت الذي يريد أن يوضع فيه عند موته، وكان من عادته أن ينفض الغبار الذي يعلق بثيابه في أثناء غزواته ويجعله في ذلك التابوت، ليصنع منه لبنة يضعها تحت رأسه عند الموت، فجال غزاة المسلمين تحت راياته المنصورة في قشتالة وليون وناباره وآراغون وكتلونية إلى أن وصلوا إلى غاشقونية وجنوبي فرنسة.
وجاست خيل المنصور في أماكن لم يكن خفق فيها علم إسلامي من قبل، وسقطت مدينة شانتياقب من جليقية وهي أقدس معهد مسيحي في إسبانية في أيدي المسلمين، وأحرقت تلك المدينة، وأخذت أجراس الكنيسة الكبرى المعروفة بكنيسة القديس يعقوب إلى قرطبة حيث عمل منها قناديل وعلقت في الجامع الأعظم، ولأجل أن يزيد المنصور من إذلال المسيحيين أجبرهم على حمل الأجراس المذكورة على ظهورهم من شانتياقب إلى قرطبة، وهي مسافة ثمانمائة كيلو متر، ولا ينكر أن المسيحيين عادوا عندما دخلوا قرطبة فاسترجعوا هذه الأجراس وحملوها على ظهورهم من قرطبة إلى شانتياقب، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وفي أيام المنصور
18
صفحة غير معروفة