من المفسدين (فأشار بيده نحو الشام)،
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (وأشار نحو الحجاز).
ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (وأشار نحو الكوفة).
ثم قال: «يا أهل البصرة، بلغني أنكم تلقبون أمراءكم، وقد لقبت بالجزار»، ويروى أنه قال: «يا أهل البصرة، لا يقدم عليكم أحد إلا لقبتموه، وأنا ألقب نفسي بالجزار.» فصاروا يلقبونه بالجزار، ومكث مصعب في البصرة أياما.
ثم استقدم المهلب بن أبي صفرة؛ ليستعين به كما أمره به أخوه عبد الله، وجاءه أشراف الكوفة وهو بالبصرة، وطلبوا منه أن يسير لتخليص الكوفة من المختار، فجند جيشا عظيما قاده بنفسه ومعه أشراف البصريين، وسار إلى الكوفة لقتال المختار، فالتقى به، وبعد عدة معارك، حدثت بينهما معركة عنيفة دامت ثلاثة أيام متواليات، فانهزم المختار، فحصره مصعب وقتله، ونزل رجاله على حكم مصعب، وكانوا سبعة آلاف - ويروى ثمانية آلاف - فقتلهم كلهم صبرا، وبعث برأس المختار إلى أخيه عبد الله بن الزبير بمكة، وذلك في سنة 67ه. وبقتل المختار تم أمر ابن الزبير في العراق، وهدأت أحوال البصرة وغيرها، وبقي مصعب تارة يمكث في البصرة وآونة بالكوفة.
فلما كانت سنة 70ه أرسل عبد الملك بن مروان خالد بن عبد الله بن أسيد إلى البصرة؛ ليثير القبائل التي حولها على ابن الزبير. فوصل خالد مستخفيا في خاصته، ونزل على عمرو بن أصمع الباهلي، فبلغ ذلك صاحب شرطة البصرة عباد بن الحصين فسار إليه يطلبه، ولم يكن يومئذ مصعب بالبصرة، فانهزم خالد والتجأ بخالد بن مسمع فأجاره، وأرسل إلى قبيلتي بكر بن وائل والأزد، فأتته فرسان القبيلتين، وأول راية وصلته راية بني يشكر، فبلغ ذلك ابن الحصين، فأقبل في الخيل فتواقفوا بغير قتال، فلما كان الغد سار خالد بمن معه إلى محل يسمى الجفرة، فجاءه مدد من عبد الملك بن مروان عليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وفي الوقت نفسه أرسل مصعب ألف فارس مددا لابن الحصين؛ فاشتبكوا في القتال، وكانت الحرب سجالا بين الفريقين، وبعد معارك دامت أربعة وعشرين يوما اصطلحوا على شرط أن يخرج خالد من العراق، فخرج، وعلى إثر ذلك جاء مصعب إلى البصرة فأقام بها.
ولما كانت سنة 71ه سار مصعب بجماعة من رؤساء أهل العراق ووجوههم وأشرافهم قاصدا مكة. فلما وصل دخل على أخيه عبد الله فقال: «يا أمير المؤمنين، قد جئتك برؤساء أهل العراق وأشرافهم، كل مطاع في قومه، وهم الذين سارعوا إلى بيعتك، وقاموا بإحياء دعوتك، ونابذوا أهل معصيتك، وسارعوا في قطع عدوك، فأعطهم من هذا المال»، فقال عبد الله: «جئتني بعبد أهل العراق وتأمرني أن أعطيهم من مال الله، لا أفعل، وايم الله إني لوددت أن أصرفهم كما تصرف الدنانير بالدراهم؛ عشرة من هؤلاء برجل من أهل الشام»، فقال رجل منهم: «علقناك وعلقت أهل الشام»، ثم انصرفوا وهم ناقمون عليه، وقد يئسوا مما عنده، لا يرجون رفده، ولا يطمعون فيما عنده، ويروى أنهم بعد أن رجعوا إلى العراق اجتمعوا وأجمعوا على خلع ابن الزبير، فكتبوا سرا إلى عبد الملك بن مروان أن أقبل إلينا. (8-4) رجوع البصرة إلى بني أمية
كان مروان بن الحكم قد مات في سنة 65ه/684م، وتولى مكانه ابنه الداهية عبد الملك، فاشتغل بإخماد الثورات التي كانت في سورية، ثم أرسل في سنة 70ه خالد بن عبد الله؛ ليثير القبائل العراقية على ابن الزبير - كجس النبض - فلما انتهى من أشغاله في سورية في سنة 72ه استعد لقتال عبد الله بن الزبير، وكان قد بلغه ما جرى في العراق على يد المختار ثم على يد مصعب، وما حدث من الفتن والثورات حتى دانت البلاد العراقية لابن الزبير، وبلغ عبد الله بن الزبير استعداد عبد الملك، فكتب إلى أخيه مصعب بالكوفة يأمره بالمسير إلى الشام لقتال عبد الملك، فاستعد مصعب للمسير، وجهز الجيوش، وجعل على مقدمته إبراهيم بن الأشتر، وفي الوقت نفسه جهز عبد الملك جيشا عرمرما وسار به من الشام قاصدا العراق لمحاربة مصعب بن الزبير، واستصحب معه جماعة من القواد الكبار، فيهم الحجاج بن يوسف الثقفي، فالتقى الجيشان بمسكن،
40
وذلك في سنة 72ه.
صفحة غير معروفة