وبلغ أهل البصرة أن المهلب قد قتل، فرجت المدينة بأهلها وهم أمير البصرة الحرث أن يهرب، وبينما هم في خوف واضطراب إذ أقبل رسول المهلب يبشرهم بسلامته وبالنصر، ومعه كتاب المهلب يعرفهم بالظفر وبما حدث، فاستبشروا بذلك واطمئنوا إليه، وأقام أمير البصرة بعد أن هم بالهرب، وأرسل كتاب المهلب إلى ابن الزبير، وذلك في سنة 65ه وبقي المهلب يطارد الخوارج مدة طويلة.
وفي أيام إمارة الحرث بن أبي ربيعة أرسل مروان بن الحكم في سنة 65ه جيشين؛ أحدهما: يقوده ابن زياد إلى إخضاع الجزيرة، وولاه إياها على أن يسير بعد فتحها إلى العراق لأخذه من ابن الزبير، والثاني: يقوده حبيش بن دلجة لقتال عامل ابن الزبير في المدينة «يثرب»، فانتصر حبيش على أمير المدينة، فأرسل أمير البصرة الحرث جيشا من البصرة تحت قيادة حنيف التميمي نجدة لأمير المدينة فاندحر جيش حبيش، ووقع هو قتيلا في المعركة، وعادت فلول جيشه إلى الشام. أما ابن زياد فإنه لما وصل الجزيرة أتاه كتاب عبد الملك بن مروان يخبره بموت أبيه مروان، ويستعمله على ما استعمله عليه أبوه، ويحثه على المسير إلى العراق، فسار حتى إذا كان بعين الوردة قابلته عصابة كبيرة مقبلة من العراق تحت قيادة سليمان بن صرد الخزاعي الكوفي،
39
فتقاتلوا فقتل سليمان ومعظم جيشه، وأقام ابن زياد هناك يترقب الفرص للزحف على العراق.
أما عبد الله بن الزبير: فإنه لما بلغه ما كان من عزم عامله بالبصرة على الهرب عزله، وولى البصرة عبد الله بن معمر، وذلك في سنة 65ه، وفي هذه السنة حدث طاعون بالبصرة، وفتك بأهلها فماتت به أم الأمير عبد الله ثم مات هو أيضا، فولى ابن الزبير على البصرة ابنه حمزة، وكان ضعيف الرأي والتدبير، فعجز عن إدارة الإمارة، واحتقره البصريون، فعزله أبوه، وأعاد الحرث بن أبي ربيعة وذلك في سنة 66ه.
وفي أثناء تلك الفوضى السائدة في العراق وغيره كان قد خرج المختار بن عبيد الثقفي بالعراق مطالبا بدم الحسين بن علي، فاستولى على الكوفة في سنة 66ه/675م وقاتل قاتلي الحسين وظفر بهم وقتلهم، وفيهم شمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد بن أبي وقاص وحفص بن عمر والمذكور وغيره، وبعث برءوسهم إلى محمد بن الحنفية نجل الإمام علي، ثم حارب عبد الله بن زياد فاستولى على الموصل، ولم يزل يقاتل ابن زياد حتى قتله وأحرق جثته في سنة 67ه بعد أن هزم جيوشه، ولكنه كان غير مخلص النية لأحد؛ لأنه من جملة الطامعين بالسيادة في أثناء تلك الفوضى، فكان يدعو الناس إلى بيعة محمد بن الحنفية ظاهرا، وهو يريدها لنفسه باطنا، ولم يكن محمد راضيا بتلك الدعوة، فكتب إليه يتبرأ منه، فحول دعوته لابن الزبير فحدث بينهما اختلاف فيما أنفقه المختار من بيت المال، فخلع المختار طاعة ابن الزبير، واستقل بالكوفة، وكتب إلى علي بن الحسين يرغبه في الخلافة على أن يكون هو وأهل الكوفة أول مبايعيه، فلم يجبه علي إلى ما طلب، فخشي ابن الزبير استفحال أمر المختار فولى أخاه مصعبا العراقين، وعهد إليه أن يقاتل المختار، وأن يستعين بالمهلب بن أبي صفرة، وأن يصلح شئون المصرين - البصرة والكوفة - وذلك في سنة 67ه. (8-3) إمارة مصعب بن الزبير على العراق
تقدم ذكر الأسباب التي دعت عبد الله بن الزبير أن يولي أخاه مصعبا إمارة العراقين في سنة 67ه/687م خصوصا وأنه كان خائفا من أن يحمل عبد الملك بن مروان على العراق وليس هناك من هو كفؤ لملاقاته من القواد المحنكين، ولما قدم مصعب البصرة دخلها متلثما، فدخل المسجد وصعد منبره، فقال الناس: «أمير أمير»، فاجتمعوا، وجاء الأمير المعزول «الحرث» فسفر مصعب لثامه فعرفوه، وأمر مصعب الحرث بصعود المنبر فأجلسه تحته بدرجة، ثم قام مصعب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
بسم الله الرحمن الرحيم:
طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون
إلى قوله:
صفحة غير معروفة