ويتصل الحمق بالعقل كما يتصل بالسلوك، بل هو بالعقل والتدبير، والرأي والتفكير، أشد التصاقا، وأكثر صلة. ذلك أن العمل يرجع في الغالب إلى اضطراب الرأي وعمى البصيرة، ووضع الشيء في غير موضعه الصحيح ، وفساد التطبيق.
وقد يحفظ المرء القرآن، ويردده حرفا بحرف، ولفظا بلفظ، وآية بآية، ومع ذلك لا يجيد التصرف والتمييز، ويخلو من الحكمة والسداد.
ليست شخصية المعلم العقلية إذن في حفظ القرآن، بل في العمل بما جاء فيه، وفهم أسراره ومعانيه بمعرفة العلوم التي تعين على هذا الفهم.
وقد عقد القابسي الموازنة بين معلم ومعلم، وفاضل بينهما في العلم، ورفع الأكثر علما على صاحبه في الكسب إذا اشتركا في التعليم.
فالاختلاف القريب لا يوجد التفاضل في الجعل. مثل: «أن أحدهما يكون رفيع الخط والآخر ليس كذلك.»
ويقع التفاضل إذا كان أحدهما لا يحسن إلا القرآن والكتابة، والآخر يعرف إلى جانب ذلك الشكل والهجاء وعلم العربية والنحو والشعر، 69-أ.
ومن هذا نرى أن المعلمين في عصر القابسي كانوا على ضربين: بعض لا يعرف إلا القرآن والكتابة، وبعض آخر تتسع ثقافته لمعرفة علوم أخرى غير القرآن، فترتفع منزلته العلمية، وإذا وضع في ميزان المادة الصحيح عند أصحاب الفلسفة المادية، كان أوفر أجرا وأكثر جعلا.
فالميزان الذي تقاس به الشخصية العلمية عند القابسي هو معرفة القرآن ومعرفة النحو والعربية وأيام العرب والشعر.
ولكن القابسي لم يذكر الطريقة التي نحكم بها على معرفة المعلم وثقافته، بحيث نجيز له التعليم.
ولم تكن هناك إجازة يشترط أن يحصل المعلم عليها ليكون صالحا للتعليم حتى يرخص له بمزاولة المهنة. «فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد. وعلى ذلك السلف الأولون، والصدر الصالح. وكذلك في كل علم، وفي الإقراء والإفتاء، خلافا لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونها شرطا. وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالبا من يريد الأخذ عنه من المبتدئين ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك.»
صفحة غير معروفة