مقدمة
مقدمة الطبعة الثانية
1 - حياة القابسي
2 - بيئة القابسي الدينية وطريقته في التأليف
3 - تعليم الصبيان في القرن الرابع الهجري
4 - الكتاتيب في الإسلام
5 - الدين والتعليم
6 - التربية الخلقية
7 - العقاب
8 - المناهج وطرق التعليم
صفحة غير معروفة
9 - المعلم
10 - آراء المسلمين في التربية والتعليم
11 - خاتمة
الملاحق1
المراجع والفهارس
مقدمة
مقدمة الطبعة الثانية
1 - حياة القابسي
2 - بيئة القابسي الدينية وطريقته في التأليف
3 - تعليم الصبيان في القرن الرابع الهجري
صفحة غير معروفة
4 - الكتاتيب في الإسلام
5 - الدين والتعليم
6 - التربية الخلقية
7 - العقاب
8 - المناهج وطرق التعليم
9 - المعلم
10 - آراء المسلمين في التربية والتعليم
11 - خاتمة
الملاحق1
المراجع والفهارس
صفحة غير معروفة
التربية في الإسلام
التربية في الإسلام
التعليم في رأي القابسي
تأليف
أحمد فؤاد الأهواني
تقديم
مصطفى عبد الرازق
مقدمة
بقلم شيخ الأزهر المرحوم مصطفى عبد الرازق
موضوع التعليم ومناهجه موضوع جليل الشأن في كل العصور، وفي كل الأمم. وقد عني به الباحثون من العلماء والفلاسفة، فألفوا فيه الرسائل، وكتبوا فيه الكتب، منذ عهد بعيد، ولا يزال موضع اهتمام المفكرين والمصلحين.
صفحة غير معروفة
ولا غرو فإن العلم أساس كل إصلاح، وتاج كل نهضة. والتعليم ليس إلا السبيل إلى نشر العلم، وتثقيف العقول به وتهذيب النفوس.
والمسلمون لم يتخلفوا عن غيرهم في ميدان هذا البحث؛ فقد كتب في التعليم أئمتهم ومفكروهم منذ القرون الأولى. وكانت لهم أنظار طريفة لم يخلق تطاول الزمن جدتها. على أن كثيرا من مؤلفات القدامى ضاع فيما ضاع من آثار السلف الصالح، وكثيرا من مؤلفات القدامى ظل متواريا عن الأنظار في زوايا دور الكتب، بين أكداس المخطوطات، لا يهتدي إلى مكانه إلا المولعون بالبحث والتنقيب.
وهذا أثر من تلكم الآثار القيمة هو كتاب تفصيل أحوال المعلمين والمتعلمين، لأبي الحسن علي بن محمد القابسي المتوفى 403 هجرية، 1012 ميلادية، ينهض لنشره الباحث المجتهد الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وينشر معه بحثا في «التعليم في رأي القابسي من علماء القرن الرابع».
ومن البحث والنص المخطوط تتألف الرسالة، التي نال بها إجازة الدكتوراه من كلية الآداب.
أما كتاب القابسي فهو كتاب جليل الفائدة للباحثين في التعليم وتاريخه عند المسلمين، وهو يصور حالة التعليم في عصره من نواح قلما فطن لها مؤلفو ذلك الزمان.
وقد عني الأستاذ الأهواني في بحثه القيم، بأن يترجم للقابسي ثم يعرض موضوعات كتابه عرضا جديدا، فراعى فيه تنظيمها وتوضيحها، وردها إلى أصولها، وربطها بمذاهب الفقهاء، ومقالات المتكلمين.
وعني الدكتور الأهواني أيضا بأن يبرز ما في آراء المؤلف من طرافة، وما هو منها عرضة للنقد، وأن يوازن بين مذهب القابسي وبين المذاهب الحديثة في التربية والتعليم.
نال أحمد فؤاد الأهواني برسالته، حين قدمها إلى كلية الآداب، إجازة الدكتوراه؛ وهو إذ ينشر اليوم هذه الرسالة في الناس، جدير أن ينال التشجيع كله، والثناء الجميل.
وإن كان تلميذنا الأهواني من العلماء المخلصين، لا يبتغي في سبيل العلم وخدمته جزاء ولا شكورا.
مقدمة الطبعة الثانية
صفحة غير معروفة
تلقى الجمهور هذه الرسالة التي طبعتها عام 1945م لقاء حسنا، فنفدت الطبعة في نهاية ذلك العام، وتهافت الطلب على هذا الكتاب، وبخاصة من المشتغلين بالمسائل الإسلامية وتاريخها. وكنت أفتش في أوراقي، فرأيت خطابا من الدكتور سارتون أرسله إلي عام 1947م يطلب نسخة من هذه الرسالة، ولم أستطع تلبية طلبه لنفاد الكتاب. وفي هذا العام تقابلت مع المستشرق الدكتور كلفرلي الذي جاء يلقي محاضرات في الفلسفة والتصوف الإسلامي بالجامعة الأمريكية، ورأيت أنه مهتم بالتربية في الإسلام، وجاء ذكر رسالة القابسي، وعجبت أنه لم يطلع عليها مع أهميتها. وقد أرشدني إلى مقالة كتبها الأستاذ جولدزيهر في دائرة المعارف عن التربية الإسلامية، وعرض فيها للقابسي، وقال إنه كان يود العثور على رسالته. ومنذ عامين التقيت في مؤتمر ابن سينا بمعالي الأستاذ علي أصغر حكمت الذي كان وزير الخارجية بإيران، وتحدثنا في أهمية تعليم المسلمين في الوقت الحاضر وكيف كان العرب في أوج حضارتهم يباشرون هذه المهمة وينشرونها بأيسر سبيل. ورغب كذلك في الاطلاع على رسالة القابسي.
هؤلاء بعض من لقيت منهم العناية الفائقة بهذا الفن، ولمست منهم الرغبة الصادقة في اقتناء كتاب القابسي عن التعليم. ومن أجل ذلك رأيت أن أدفع بالرسالة إلى المطبعة لتشهد النور مرة أخرى بعد عشر سنوات.
ولم أكن قد قدمت لهذه الرسالة - وهي رسالة الدكتوراه - اكتفاء بتقديم أستاذي المغفور له مصطفى عبد الرازق الذي كان له الفضل في توجيه نظري إلى أهمية هذا الموضوع، وإلى المضي في بحثه. وكانت عناية مصطفى عبد الرازق بالبحوث الإسلامية في شتى نواحيها عظيمة، صرف إليها جهده، وحث تلاميذه على كشف غوامضها، مع الاهتمام بنشر التراث العربي القديم، وإحياء مجد العروبة والإسلام.
وقد أحدثت تعديلات طفيفة في هذه الطبعة الثانية، وأضفت في آخر الكتاب رسالة ابن سحنون «آداب المعلمين»، وهي أيضا من الرسائل النادرة في التربية، نشرها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب باشا في تونس عام 1350هجرية، ونفدت طبعتها منذ زمن طويل، ولا يعرفها إلا عدد قليل.
وترجع أهمية رسالة القابسي إلى أنها الوحيدة - فيما نعلم - التي تفصل أحوال تعليم الصبيان تفصيلا فنيا دقيقا، على حين أن سائر ما كتبه العرب في التربية لا يتجاوز نصائح، أو مبادئ عامة، أو شذرات متناثرة في بطون الكتب الأدبية والتاريخية، لا تكفي في إلقاء الضوء على هذا الجهاز عظيم الخطر في الحضارة، وهو الذي نسميه بالتربية أو التعليم؛ لهذا السبب كان البحث كله، أو يكاد، دائرا حول القابسي وآرائه.
ولا نزاع في أن العرب قد بلغوا في القرون الأولى الإسلامية درجة عظيمة من الحضارة انتشرت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. ولا حضارة بغير علم، ولا علم بغير تعليم، ولا تعليم بغير نظام معين يرتب الصلة بين المعلمين والتلاميذ، ويفصل المناهج وطرق التربية وسائر ما يتصل بالتعليم من أدوات.
وقد انتهت الحضارة الإسلامية التي كانت مزدهرة ومنتشرة ومتفوقة على الحضارة الأوروبية إلى الضعف والانحلال، وعم الجهل، وانتشرت الأمية، وأصبح الشرق في موقفه اليوم أشبه بأوروبا في العصر الوسيط حين كانت تعتمد على العلوم المنتشرة عند العرب في حياتها الثقافية. ولكن الشرق العربي أخذ يتنبه ويستيقظ منذ نصف قرن حتى يستعيد مجده السابق. واتجهت النهضة وجهتين: الأولى تأخذ بالحضارة الأوروبية تنقلها كما هي وتعتمد عليها في ثقافتها، والثانية تلتفت إلى الماضي تسعى إلى إحيائه ومعرفة الأساليب القديمة التي اتبعها أجدادنا في تثقيف أبنائهم.
ونحن في حاجة إلى القديم والجديد معا؛ لأننا لا نستطيع قطع الصلة بالماضي الذي لا نزال نعيش في دينه ولغته. لا يزال ديننا الإسلام، وكتابنا القرآن، ولغتنا العربية. ونحن في حاجة اليوم إلى تعليم أبنائنا اللغة العربية والقرآن الكريم. ويجدر بنا أن نعرف كيف كان أجدادنا منذ ألف عام يعلمونهما، فقد يفيدنا ذلك في موقفنا الحاضر، ويعيننا على حل مشكلة تعليم الأطفال اليوم الكتابة والقراءة والدين، وهي مشكلة معروضة على بساط البحث، وهي موضع تفكير علماء التربية.
وقد رأيت أن أضيف إلى عنوان الكتاب في طبعته الأولى عنوانا جديدا هو التربية في الإسلام؛ لأن الحديث لم يقتصر على القابسي وحده، بل تجاوزه إلى غيره كذلك.
والله الموفق إلى ما فيه الخير والصواب.
صفحة غير معروفة
أحمد فؤاد الأهواني
الفصل الأول
حياة القابسي
(1) اسمه ولقبه
في صدر الرسالة التي يتناولها هذا البحث أن المؤلف هو: «أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعروف بالقابسي الفقيه القيرواني».
وفي وفيات الأعيان
1
هو: «أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القروي المعروف بابن القابسي».
وذكره ابن العماد الحنبلي صاحب «شذرات الذهب، في أخبار من ذهب»:
2 «أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني».
صفحة غير معروفة
ويتفق مؤلف كتاب (معالم الإيمان، في معرفة أهل القيروان)،
3
مع القاضي عياض صاحب (ترتيب المدارك، وتقريب المسالك، لمعرفة أعلام مذهب مالك)،
4
في أنه «أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي».
وترجم له السيوطي في (طبقات الحفاظ)
5
فقال: «القابسي الحافظ المحدث الفقيه الإمام علامة المغرب أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القروي».
ولابن فرحون في (الديباج): «علي بن محمد بن خلف المعافري أبو الحسن المعروف بابن القابسي».
6
صفحة غير معروفة
وجاء في (نكت الهميان):
7 «علي بن محمد بن خلف، الإمام أبو الحسن المعافري القروي القابسي المالكي».
وذكره ابن فضل الله العمري في (مسالك الأبصار):
8 «علي بن محمد بن خلف المعافري القروي القابسي أبو الحسن».
فجميع الذين ترجموا له لا يختلفون في أن اسمه هو: «أبو الحسن علي بن محمد بن خلف »، ولكن الخلاف بينهم على وصفه المعروف به، أهو القابسي، أم ابن القابسي؟ وإذا كان قابسيا فلماذا سمي المعافري، كما ذكره بعضهم، ولماذا ينسب إلى القيروان؟
قال القاضي عياض: «ولم يكن أبو الحسن قابسيا، وإنما كان له عم يشد عمامته شد القابسيين فسمي بذلك، وهو قيرواني الأصل.» وهذا موافق لما ذكره الصفدي أيضا إذ يقول: «وسمي القابسي؛ لأن عمه كان يشد عمته شدة قابسية.»
ونقد صاحب معالم الإيمان هذا القول، فقال: «وهذا فيه نظر، وظاهر قولهم «المعروف بابن القابسي.» يقتضي أن والده كان من أهل قابس، فإما أن يكون أتى القيروان وتزوج بها، وإما أن يكون أتي به صغيرا.» ثم أضاف: «ولما وليت قضاء قابس، وجدت بقربها قرية خالية تسمى «بالمعافريين» وفيها مسجد يقصد الناس الصلاة فيه تبركا به، يقال له مسجد «سيدي علي» ولا يدرون من يكون عليا. فلما خطبت خطبة العيد، انجر في كلامي أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من زيارة قبور الصالحين، وأن يوصي بالدفن في جوارهم. ثم ذكرت الحكاية الآتية وهي: أن الشيخ أبا الحسن القابسي لما دفن بالقيروان، رأى رجل في منامه كأن رجلا خرج من قبره فقال: لي اليوم في العذاب أربعون سنة، فلما دفن هذا الشيخ أبو الحسن عندنا غفر الله لي ولجميع من في المقبرة. فسألني بعضهم من أي بلدة هو؟ قلت: هو ينسب للمعافريين. فجزموا من محبتهم في ذلك المسجد، وفرحهم بالحكاية المذكورة أنه صاحب ذلك المسجد. فزاد تبركهم وصلاتهم به، وجددوا ما اختل من بنائه، وقالوا: لما كان الشيخ اسمه علي، ويعرف بابن القابسي، وبلده المعافريين، وهذا المسجد بالمعافريين، وسمي بالتواتر سيدي علي، فهو المراد لا غيره.»
ونقل صاحب معالم الإيمان عن القاضي عياض الرواية الآتية: «ذكر ابن سعدون أن أبا الحسن لما جلس للناس، وعزم عليه في الفتوى، تأبى وسد بابه دون الناس، فقال لهم: اكسروا عليه بابه؛ لأنه قد وجب عليه فرض الفتيا، هو أعلم من بقي بالقيروان.»
وقال عياض: «كان أبو الحسن من صلحاء فقهاء القيروان.»
نخرج من هذا العرض بأن نسبته إلى القيروان نسبة ولادة وإقامة وعمل؛ لأنه ولد بها وأقام فيها، وأفتى. وأن أصل بلدته «المعافريين» وهي قرية بالقرب من قابس، أو قل إنها ضاحية من ضواحيها.
صفحة غير معروفة
أما القابسي فهي النسبة التي اشتهر بها في الكتب نسبة إلى بلدة قابس بالقرب من القيروان، كما جاء في بعض كتب الناقلين عنه.
جاء في ترجمة عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي المقري المعروف بابن الصيرفي أنه سمع من «أبي الحسن القابسي».
9
وفي ترجمة علي بن مسرور الدباغ: «قال القابسي: ما رأيت أكثر حياء من أبي الحسن الدباغ، ما يكلمه أحد إلا احمر لونه، ولقد كان أحيا من الأبكار.»
10
وبعض أصحاب التراجم لا يعرفونه إلا أنه القابسي. انظر إلى السيوطي كيف بدأ بهذا اللقب أول كل شيء، ثم ترجم له بعد ذلك.
وقد وردت قصة على لسان أبي الحسن نفسه في كتاب (نكت الهميان) للصفدي، تثبت أولا أنه «القابسي» لا «ابن القابسي». وتثبت ثانيا أن هذه النسبة إلى قابس مكذوبة عليه. وتثبت ثالثا أنه قيرواني. وهذا نص كلام الصفدي: «قال أبو بكر الصقلي: قال أبو الحسن القابسي: كذب علي وعليك، فسموني القابسي، وما أنا قابسي، وإلا فأنا قيرواني. وأنت دخل أبوك مسافرا إلى صقلية فنسب إليها.»
قابس
في معجم البلدان لياقوت: «قابس إن كان عربيا فهو من أقبست
11
صفحة غير معروفة
فلانا علما ونارا أو قبسته، فهو قابس بكسر الباء الموحدة: مدينة بين طرابلس وصفاقس ثم المهدية، على ساحل البحر، فيها نخل وبساتين، غربي طرابلس الغرب، بينها وبين طرابلس ثمانية منازل. وهي ذات مياه جارية، من أعمال إفريقية، في الإقليم الرابع، وعرضها خمسة وثلاثون درجة.»
وجاء في أحسن التقاسيم لشمس الدين البشاري
12 «وتأخذ من القيروان إلى قابس، أو إلى نقطة أو إلى سبتة، أو إلى مدينة القصور، أو إلى المهدية، مرحلتين مرحلتين.»
13
وعن ابن خلكان: والقابسي بفتح القاف وبعد الألف باء موحدة مكسورة، ثم سين مهملة، هذه النسبة إلى قابس، وهي مدينة بإفريقية، بالقرب من المهدية، ولما فتحها الأمير تميم بن المعز بن باديس، قال ابن محمد خطيب سوسة قصيدة طويلة أولها:
ضحك الزمان وكان يدعى عابسا
لما فتحت بحد عزمك قابسا
وفي القاموس وشرحه: «وقابس كناصر: بلد المغرب، بين طرابلس الغرب وصفاقس، منه أبو الحسن علي بن محمد القابسي، صاحب الملخص وغيره.» (2) مولده
ذكر ابن خلكان مولده فقال: «وكانت ولادة أبي الحسن المذكورة في يوم الاثنين لست مضين من رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.»
واختتم القاضي عياض ترجمته بذكر مولده «في رجب لست ليال مضين منه سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.»
صفحة غير معروفة
أما السيوطي، وابن العماد الحنبلي، وابن فضل الله العمري، والصفدي، وعبد الرحمن، فلم يعينوا يوم مولده، ولكنهم اكتفوا بذكر السنة التي ولد فيها. وهم جميعا متفقون على أن العام الذي ولد فيه هو أربع وعشرون وثلاثمائة للهجرة.
ويوافق مولده بالتاريخ الميلادي سنة 935م، في الحادي والثلاثين من شهر مايو. (3) رحلته
ذكر ابن خلكان رحلته إلى المشرق، ثم عودته إلى القيروان، فقال: «وحج سنة ثلاث وخمسين. وسمع كتاب البخاري بمكة من أبي زيد، ورجع إلى القيروان، فوصلها غداة الأربعاء أول شعبان أو ثانيه، سنة سبع وخمسين. كذا قال أبو عبد الله بن وهب.»
وفي (معالم الإيمان) ما يتفق مع ما ورد في (الوفيات)، مع ذكر إقامته بمصر، قال: «ثم رحل إلى المشرق سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وحج سنة ثلاث وخمسين، ثم عاد إلى مصر، فأقام بها يسمع الحديث، فسمع بالإسكندرية من أبي الحسن جعفر الثابياني ... ثم عاد إلى القيروان سنة سبع وخمسين.»
وظاهر هذا القول أنه رحل قبل الحج بعام، وهو طبيعي على الأخص في تلك الأيام. كما أن زيارته لمصر طبيعية؛ إذ كان لا بد لطالب الحج من المغرب إلى المشرق أن يمر بها؛ لأنها في الطريق.
وذكر القاضي عياض ما يؤيد ذلك، قال: ورحل فحج وسمع بمصر ومكة من حمزة بن محمد الكناني، وأبي الحسن الثابياني، وأبي الحسن بن هلال ... وكانت رحلته إلى المشرق سنة اثنتين وخمسين. (4) شيوخه وتلاميذه
قال القاضي عياض: «سمع من رجال إفريقية: أبي العباس الإبياني، وأبي الحسن بن مسرور الدباغ، وأبي عبد الله بن مسرور العسال، وأبي محمد بن مسرور الحجاج، ودراس بن إسماعيل الفاسي والسدري.»
وقال: «وعليه تفقه أبو عمر الفاسي، وأبو القاسم اللبيدي وغيرهما. وروى عنه أبو بكر عتيق السوسي، وأبو القاسم بن الحساري، وابن أبي طالب العابد، وأبو عمرو ابن العتاب، وأبو حفص العطار، وأبو عبد الله الخواص، وأبو عبد الله المالكي، ومكي الفاسي. وروى عنه من الأندلسيين المهلب بن أبي صفرة، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وأبو عمرو المغربي.»
وجاء في (نفح الطيب):
14 «ومن الراحلين من الأندلس إلى المشرق الحافظ المقرئ الإمام الرباني أبو عمرو الداني ... ورحل إلى المشرق سنة 397ه فمكث بالقيروان أربعة أشهر، ودخل مصر في شوالها فمكث بها سنة، وحج ورجع إلى الأندلس في ذي القعدة 399ه ... وسمع من الإمام أبي الحسن القابسي.»
صفحة غير معروفة
قال صاحب (معالم الإيمان): «وسمع منه خلق كثير» وعدد جماعة، منهم من ذكرهم القاضي عياض، ومنهم من لم يذكرهم.
والمشهور أنه أخذ عن الدباغ والكناني. جاء في (شذرات الذهب): «أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرحلة عن حمزة الكناني وطائفة.»
وننقل إليك بعض ما وقع إلينا من كلام القابسي في شيوخه.
جاء في ترجمة أبي العباس بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق التونسي المعروف بالإبياني ما يأتي: «وكان أبو الحسن القابسي يقول ما رأيت بالمشرق ولا بالمغرب مثل أبي العباس. كان يفصل المسائل كما يفصل الجزار الحاذق اللحم. وكان يحب المذاكرة في العلم ويقول: دعونا من السماع، ألقوا المسائل.»
15
وقال في عبد الله أبي محمد ابن أبي زيد: «هو إمام موثوق به في ديانته وروايته.»
16
ورثى القابسي عبد الله أبا محمد بن إسحاق المعروف بابن التبان فقال: «رحمك الله يا أبا محمد فقد كنت تغار على المذهب وتذب عن الشريعة.»
17 (5) صفاته وعلمه
عن السيوطي في (طبقات الحفاظ) أنه «كان حافظا للحديث والعلل، بصيرا بالرجال، عارفا بالأصلين، رأسا في الفقه، ضريرا، زاهدا، ورعا.»
صفحة غير معروفة
وعن ابن خلكان: «كان إماما في علم الحديث ومتونه وأسانيده ، وجميع ما يتعلق به، وكان للناس فيه اعتقاد كثير.»
وجاء في (شذرات الذهب): «وكان مع تقدمه في العلوم حافظا، صالحا، تقيا، ورعا، حافظا للحديث وعلله منقطع القرين.»
وذكره صاحب (معالم الإيمان) قال: «كان عالما عاملا، جمع العلم والعبادة، والورع والزهد، والإشفاق والخشية، ورقة القلب، ونزاهة النفس، ومحبة الفقراء. حافظا لكتاب الله ومعانيه وأحكامه، عالما بعلوم السنة والفقه واختلاف الناس، سلم له أهل عصره ونظراؤه في العلم والدين والفضل، كثير الصيام والتهجد بالليل والناس نيام مع كثرة التلاوة، وكانت فيه خصال لم تكمل إلا فيه: منها القناعة، والرفق بأهل الذنوب، وكتمان المصائب والشدائد، والصبر على الأذى، وخدمة الإخوان، والتواضع لهم، والإنفاق عليهم، وصلتهم بما عنده.»
وأطال القاضي عياض في ذكر مناقبه، وقد استهل ذكره بما يأتي: «كان أبو الحسن من الخائفين الورعين، المشتهرين بإجابة الدعوة، سلك في كثير من أموره مسلك شيوخه من صلحاء فقهاء القيروان، المتقللين من الدنيا، البكائين المعروفين بإجابة الدعاء، وظهور البراهين.»
وقال ابن فضل الله العمري في (مسالك الأبصار): «رجل نورت بصيرته، وسرت سريرته، وظهرت بزيادة نور الباطن خيرته، فلم يكن ضررا عماه، ولا عادما فضل البصر ونعماه؛ ولم تزل نكبات الأيام عنه ناكبة، ونوائب الحدثان على أعدائه متناوبة؛ اختلج بحرا لا تسع مثله الصدور، وأخرج درا لا تولد شبهه البحور، فما تكلم إلا امتدت إليه يد الالتقاط، وضاق به فسيح الفضاء والبحر في سم الخياط؛ ولم يزل على طرق العلم راصدا، ولسبل الحلم قاصدا، إلى أن قطعت حباله، وغاصت أبحره الزواخر ودكت جباله.»
ثم قال: «وكان حافظا للحديث والعلل، بصيرا بالرجال، عارفا بالأصلين، رأسا في الفقه. وكان ضريرا، وكتبه في نهاية الصحة، كان يضبطها له ثقات أصحابه. وكان زاهدا ورعا يقظا، لم أر بالقيروان أحدا إلا معترفا بفضله.»
ونحب أن نقف قليلا عند مناقبه العلمية، فقد أجمع الذين ترجموا له على أنه كان محدثا حافظا فقيها. ويؤيد ذلك أن صاحب (مسالك الأبصار) ذكره في (طبقات المحدثين). وذكره السيوطي في (طبقات الحفاظ)، وفي هذا دليل على بلوغه مرتبة الحفاظ من أئمة المحدثين.
وما جاء في رسالته التي بين أيدينا من الأحاديث المسندة، يبين أن القابسي كان حقا من علماء الحديث. وكتابه «الملخص» دليل على رسوخ قدمه في الحديث.
وفي ابن خلكان: «وصنف في الحديث كتاب «الملخص» جمع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك بن أنس رضي الله عنه في (كتاب الموطأ)، رواية أبي عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو على صغر حجمه، جيد في بابه.»
ونختتم القول في صفاته بما شهد فيه أحد شيوخه وهو أبو العباس الإبياني كما روى صاحب الديباج: «يروى أنه قال لأبي الحسن القابسي وهو يطلب عليه: والله لتضربن إليك آباط الإبل من أقصى المغرب فكان كما قال.»
صفحة غير معروفة
18 (6) مؤلفاته
من الذين أطالوا في ذكر مؤلفاته القاضي عياض، وابن فرحون، وعبد الرحمن. ذكر ابن فرحون خمسة عشر كتابا، وعياض أربعة عشر، وعبد الرحمن عشرة.
واتفق المترجمون الثلاثة على تسعة كتب نذكرها كما جاءت في «ترتيب المدارك» للقاضي عياض، متجاوزين عن ذكر الخلاف اليسير في نص العنوان. وهي: كتاب «الممهد في الفقه وأحكام الديانة»، وكتاب «المبعد من شبه التأويل»، وكتاب «المنبه للفطن من غوائل الفتن»، و«الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين والمعلمين»، وكتاب «الاعتقادات»، وكتاب «مناسك الحج»، وكتاب «ملخص الموطأ»، و«الرسالة الناصرية في الرد على البكرية»، وكتاب «الذكر والدعاء».
وذكر الصفدي ستة من هذه الكتب فقال: «ومن تصانيفه الممهد في الفقه وأحكام الديانات، والمبعد من شبه التأويل، والمنبه للفطن من غوائل الفتن، وملخص الموطأ، والمناسك والاعتقادات.»
واتفق القاضي عياض وابن فرحون في خمسة كتب: «رسالة كشف المقالة في التوبة، وكتاب رتب العلم وأحوال أهله، وكتاب حسن الظن بالله تعالى، رسالة تزكية الشهود وتجريحهم، رسالة في الورع.»
أما الكتاب العاشر الذي جاء في (معالم الإيمان) فهو كتاب «أحمية الحصون» ذكره ابن فرحون في (الديباج)، وأغفله القاضي عياض في (ترتيب المدارك).
وبحثنا عن هذه المؤلفات في (كشف الظنون)، وفي بروكلمان لنهتدي إلى الموجود منها.
ولم يذكر صاحب (كشف الظنون) إلا كتاب الملخص. قال: «ملخص في الحديث لأبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي المعافري المالكي المتوفى سنة 403ه جمع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك في الموطأ. قال أبو عمرو الداني وهو خمسمائة حديث وعشرون حديثا. أوله: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا ... إلخ، وشرح القاضي شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد الخويي الشافعي خمسة عشر حديثا من أوله وتوفي سنة 693ه. ولقد أجاد فيه وأبان عن مزيد علم، وغزارة فضل، كما ذكره السبكي.»
19
وليس القاضي شهاب الدين أول من شرح (الملخص)، فقد جاء في (الديباج) عند ترجمة محمد بن أحمد بن أسيد بن أبي صفرة: «وله شرح في اختصار ملخص القابسي.»
صفحة غير معروفة
20
وذكر هذا المخطوط بروكلمان في الملحق صفحة 298، فقال: «ومنه نسخة ببانكي بور في الهند، وأخرى بالمدينة.»
وذكر بروكلمان أيضا كتاب «المفصلة لأحكام المعلمين» المخطوط الموجود في باريس، وهو موضوع بحثنا هذا.
وصف النسخة الخطية
هذه النسخة محفوظة في المكتبة الأهلية بباريس برقم 4595. وهي النسخة الوحيدة في العالم، على ما نعلم. وقد طلبت من دار الكتب المصرية في القاهرة أن تحضر صورة شمسية لها، فأحضرتها. وهي محفوظة برقم 1592 تعليم.
وتاريخ النسخ الموضوع على المخطوطة هو سنة 706 هجرية.
وعدد ورقاتها 97، طول كل منها
سم، وعرضها 12سم. وعدد الأسطر في الصفحة 13 سطرا في الغالب.
اسم الكتاب
عنوان الكتاب كما جاء في فهرست المكتبة الأهلية بباريس هو: «أحوال المتعلمين، وأحكام المعلمين والمتعلمين».
صفحة غير معروفة
والواقع أن المكتوب في صدر المخطوطة عنوان في سطرين: في السطر الأول كلمة «الفضيلة» أو «المفصلة» كما سنبين فيما بعد، وفي السطر الثاني «لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين».
وقد قرأت الكلمة الأولى من العنوان على أنها «الفضيلة»، ولذلك حين أحضرت دار الكتب المصرية بالقاهرة النسخة الشمسية - بناء على طلبي - سجلت عنوان الكتاب في فهارسها «الفضيلة» كما ذكرت للدار.
وقراءة هذه اللفظة على النحو السابق أدخل في ذهن الناظر إليها من أول وهلة. والحقيقة غير ذلك لما سنبينه من أسباب.
والواضح ألف، ثم لام ثم فاء منقوطة، ثم صاد، ثم لام، ثم هاء مربوطة ليست منقوطة.
وإذ جرى الناسخ على إهمال النقط في أغلب الأحيان ، وكانت السنة التي عقبت الصاد منحنية إلى أسفل، مما يوحي بأنها ياء، فقد قرأت الكلمة «الفضيلة».
واتفق صاحب (ترتيب المدارك)، وصاحب (معالم الإيمان)، وهما يترجمان لحياة أبي الحسن، أن من ضمن مؤلفاته كتابا اسمه «الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين».
وبالرجوع إلى الأصل المخطوط، تبين لنا، أنه بالرغم من أن حرف الميم ساقط من اللفظة، فإن قراءتها على أنها «المفصلة» أرجح؛ لأنه هو العنوان المعروف بين العلماء، المذكور في كتبهم، ولأن قراءة الكلمة «الفضيلة» يجعلنا ننقط الصاد ونضيف ياء بعدها ليست موجودة. وعلى ذلك يكون عنوان الكتاب: «المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين»
وفيما ذكره ابن فرحون في الديباج عن عنوان هذا الكتاب تصحيف ظاهر لا يحتاج منا إلى إقامة دليل، فقد جاء في سياق مؤلفاته: «والرسالة المفصلة لأحوال المتقين وكتاب المعلمين والمتعلمين.» ولا شك أن لفظة المتقين مصحفة عن المتعلمين، وأن الرسالة والكتاب ليسا إلا كتابا واحدا، هو الذي نجري عليه هذا البحث.
ونشير إلى ترجمة العنوان التي وردت في فهرست المكتبة الأهلية بباريس؛ إذ فيها تحريف كثير. فالترجمة تقول: «قواعد السلوك للمعلمين والمتعلمين».
Règles de Condnite pour les instituleurs et les élèves .
صفحة غير معروفة
هذه الترجمة إن اتفقت مع موضوع الكتاب، فإنها لا تتفق مع حرفية العنوان، ونشير كذلك إلى القراءة التي ذكرها الدكتور إبراهيم سلامة
21
لهذا العنوان حيث قال: «فضلة أحوال المتعلمين، وأحكام المعلمين».
وليست هذه القراءة صحيحة، ولا تنطبق على ما جاء في الأصل. (7) وفاته
لا خلاف بين أصحاب الكتب السابقة التي أخذنا عنها في الترجمة للقابسي أن عام وفاته هو 403 هجرية.
ولم يذكر القاضي عياض الشهر الذي توفي فيه، وكذلك ابن العماد الحنبلي.
وذكر السيوطي الشهر دون اليوم.
وحدد ابن خلكان ليلة وفاته قال: «وتوفي ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة.»
وعن (معالم الإيمان): «وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء، ودفن يوم الخميس صلاة الظهر لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة.»
وقال ابن خلكان: إنه دفن يوم الأربعاء لا الخميس. قال: «ودفن يوم الأربعاء وقت العصر بالقيروان، وبات عند قبره من الناس خلق كثير ، وضربت الأخبية، وأقبلت الشعراء بالمراثي، رحمه الله تعالى.»
صفحة غير معروفة
وبذلك يكون القابسي قد عمر ثمانين عاما.
وتاريخ وفاته الهجري يوافق 1012 بالتاريخ الميلادي في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي.
الفصل الثاني
بيئة القابسي الدينية وطريقته في التأليف
(1) المذهب السائد في شمال أفريقيا
القابسي صورة للعصر الذي عاش فيه، بل صورة للإقليم الذي أظلته سماؤه. وإذا أردنا أن نفهمه، فعلينا أن نفهم البيئة التي نشأ فيها. فالإنسان متصل بالبيئة يتأثر بها ويؤثر فيها. وعندنا أن تأثير البيئة في الفرد أقوى من تأثير الفرد فيها. وبعض المفكرين يسبقون عصرهم وهؤلاء هم قادة الفكر، وهم قلة إلى جانب أغلبية المجتمع. وقد يمر عصر - بل عصور - دون أن يجود الزمان بهؤلاء الأحرار الذين يستطيعون التخلص من سلطان المجتمع ليفكروا دون تقييد أو جمود، وليحكموا عقولهم في سبيل إصدار الحكم الصحيح الخالص من أثر الأهواء والتعصب للشائع المعروف. فهذا أرسطو وهو المعلم الأول، ألف في جميع العلوم، لم يسلم من ربقة البيئة وسلطان المجتمع. فقد أجاز نظام الرق وعد الأرقاء أقل في الطبيعة الإنسانية من غيرهم، والطبيعة البشرية واحدة في جميع الناس.
كانت البيئة السائدة في القرن الرابع بيئة دينية، إسلامية في الشرق، ومسيحية في الغرب، أهم ما يميزها خضوع الناس في مناحي تفكيرهم وأحوالهم لسلطان الدين. هذه سمة العصر كله.
ويحسن أن نتتبع نشأة هذه البيئة الدينية منذ ظهورها إلى أن اتخذت لونا خاصا في شمال أفريقيا، وفي القيروان على وجه الخصوص، وهي المدينة التي ولد القابسي ونشأ فيها، إذ كان هذا التحول لازما لفهم البيئة التي نتحدث عنها.
جاء في كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة
أن الدين الإسلامي هو الدين الذي يجب اتباعه:
إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران: 19)،
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (آل عمران: 85)، ولذلك كانت غاية المسلمين أن ينشروا دينهم في جميع البلاد. وكانت وسيلتهم إلى تحقيق هذه الغاية الدعوة والغزو . وقد عمل النبي
صلى الله عليه وسلم
والذين آمنوا معه من العرب بهذه العقيدة الدينية والسياسية؛ لأنهم كانوا يعملون في سبيل الله، ويؤمنون بما جاء على لسان رسوله.
وقد قوت هذه العقيدة عزائم المسلمين، وحفزتهم إلى دعوة الشعوب المختلفة إلى اعتناق الإسلام، بل دفعتهم إلى غزو هذه الشعوب، وإلى فرض الدين الإسلامي على أهلها. ذلك أن الشروط التي اتبعها الغزاة من العرب في فتوحاتهم هي قبول الإسلام أو الجزية أو القتال:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (التوبة: 29).
وانتهى بذلك كثير من الشعوب المختلفة إلى الدخول إلى الإسلام.
وامتدت الفتوحات شرقا وغربا في دائرة مركزها جزيرة العرب: فسقطت دولة الفرس، وغلبت الروم، وأخذت العرب فلسطين والشام.
واتجهوا غربا نحو مصر، ففتحها عمرو بن العاص. «وكان مسير عمرو إلى مصر في سنة تسع عشرة.»
صفحة غير معروفة