تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
تصانيف
38 / 24] ، فيخرج البغي مخرج الظلم حرفا بحرف ، فإنه إذا ساغ في اللسان والمعتاد أن يسمى مالك الكثير إذا طلب من المقل قليله ظالما فلا غرو أن يسمى باغيا.
ولو أن رجلا كان له عبدان مطيعان له ، مستقيمان غاية ما يمكنهما من وجوه الاستقامة ، فأحسن إلى أحدهما وأعطاه ووسع عليه ورفه معيشته ، ولم يحسن للآخر بغير ما ألزمه الله مما يتعين للعبيد على السادة لسمى العقلاء هذا السيد ظالما باغيا ، من حيث إنه أحسن لأحدهما ولم يحسن مع الآخر ، مع تساويهما في الطاعة والنصيحة ، والسيد مع هذا التخصيص بالإحسان لأحدهما ، لم يأت في الشرع بمحظور ولا بمكروه.
بل كل ما فعل معهما مباح له.
فهذا وجه من وجوه التخلص من هذه الأقوال ، وأنها مباحة لقائلها وفاعل ما وقع منها من غير أن يلحقه ذم من الشرع ولا ثلب.
وأما قوله : ( وقليل ما هم ) فمقصوده الأكابر الأفراد من المحسنين المؤثرين ، فإنهم يحسنون في المباحات كإحسانهم في المشروعات ، فيتعاونون في العشرة ، ويتناصفون في الخلطة ، كما قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [الحشر : 59 / 9].
ثم قال : ( وقليل ما هم ) فإنهم الكبريت الأحمر ، وهذا آخر خطابه للملائكة.
فصل
[تذييل على قصة داود عليه السلام ]
والذي يكمل به هذا التفسير ويعضده نكتة شريفة ، وذلك أن الله تعالى أخبر بما وقع بين داود عليه السلام وبين الخصم من محاورة ومراجعة ، وأن ذكر التكفل والعزة في الخطاب كلامهما ، وما أخبر به تعالى عن قول قائل فليس هو في الإلزام كالذي يخبر به عن نفسه وحكمه. فمن أخبر تعالى أنه ظلم ، وغلب ، وبغى في المشروعات ،
صفحة ٤٦