============================================================
التمهيل شرح معالمر العدل والتوحيل واحدةه وهو أن الهارب من السبع إذا عرض له طريقان متساويان من جميع الوجوه فإنه لا بدوأن يختار سلوك أحدهما دون الآخر لا لمرجح، فكيف توجبون حاجة الممكن إلى سبب.
والجواب على وجهين: الأول منهما مجمل وهو دليلنا على أن الممكن محتاج إلى المؤثر مبني على مقدمتين بديهيتين: أحدهما أن العالم ممكن. والثانية: أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا لمرجح.
وهاتان المقدمتان لا يشك فيهما عاقل.
وما ذكرتموه من الشكوك مما لا يستحق جوابا؛ لأنه يجري مجرى شبه أصحاب السفسطة في الأمور الضرورية، فكما أن تلك الشبهة لا تقدح في شيء من العلوم الضرورية ولا تزيل عنا الجزم بالمشاهدات والبديهيات فكذلك ما ذكرتموه هاهنا، وهذا بمجرده جواب قاطع.
الوجه الثاني مفصل وهو أنا نجيب عن الشكوك التي ذكروها على التفصيل فنقول: قوله هل تدعون الضرورة أو النظر ؟ قلنا: بل ندعي الضرورة، فإنا إذا فرضنا إنسانا سليم العقل لم يمارس هذه المجادلات ثم نعرض على عقله أن كفتي الميزان هل يمكن أن يترجح أحدهما على الأخرى لا لسبب أصلا فإن صريح عقله يشهد بإنكار ذلك، وهكذا إذا دخل برية لم يجد فيها عمارة أصلا ثم دخلها مرة أخرى فرأى فيها عمارة رفيعة وقصرا مشيدا فإنه يضطر إلى العلم بوجود بان وصانع، وهكذا إذا أحس بصوت أو حركة اضطر إلى العلم بوجود مصوت أو محرك بل نعلم أن الصبيان يضطرون إلى العلم بذلك فإنهم إذا وجدوا شيئا موضوعا في موضع خال حملتهم طبائعهم السليمة على طلب من وضع ذلك الشيء في ذلك الموضع، فدلنا ذلك على أن هذا من جملة العلوم الضرورية. قوله: إنا إذا عرضنا على العقل أن الواحد نصف الاثنين وعرضنا أيضا أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا لمرجح وجدنا الأول أظهر. قلنا: هذا ممنوع، بل هما سيان في الجلاء والظهور، وأيضا
صفحة ٧٢