فقد قلنا فى خواص آلات هذه الحواس واستوفينا القول فى طبيعة محسوساتها، فينبغى ان نستوفى القول فى كيفية ادراكها، فان ذلك انما قيل فى كتاب النفس بقول كلى. فنقول ان الآراء التى كانت للقدماء فى كيفية ادراك النفس محسوساتها اربعة. احدها، رأى من كان يعتقد ان صور المحسوسات فى النفس بالفعل، وانه ليست تستفيدها من خارج؛ وانما الصور التى من خارج منبهة ومذكرة لما عندها منها، وهو رأى افلاطون او قريب منه . واما الراى الثانى، فرأى من كان يرى انه ليس فى النفس شى من المحسوسات بالفعل، وانها تستفيدها من خارج، وهاؤلاء انقسموا فرقتين. فرقة رات ان استفادتها الصور التى من خارج واستكمالها بها استفادة جسمانية لا روحانية. ومعنى ذلك انه يكون وجودها فى النفس على الحالة التى هى عليها خارج النفس. وفرقة رأت ان ادراكها الاشياء التى من خارج واستفادتها استفادة روحانية. وهاؤلاء انقسموا طائفتين. فطائفة رأت انها لا تحتاج فى ادراكها الى متوسط، وانما تدرك النفس محسوساتها الخارجة بان تتحرك اليها وتلقى ذاتها عليها. وهاؤلاء هم الذين كانوا يرون ان الابصار انما يكون باشعة تخرج من العين الى الشىء المنظور اليه. وطائفة ثانية رات ان النفس انما تقبل محسوساتها بواسطة قبول المتوسطات لها، وذلك بان تقبلها اولا المتوسطات لها حتى توديها الى الحس المشترك، وسوا وسواء كان المتوسط آلة او جسما من خارج.
صفحة ٢١