وأما الجواب عن الثاني: بأن يقال: إن هناك أمورا كثيرة لا تعرف عن الخلفاء الراشدين قد فعلها الناس من بعدهم، منها تعدد الجمع في البلد الواحد، وصلاتا العيدين في الصحراء وغيرها، ثم إن ترك الخلفاء لهذا إنما هو عدم دليل، وكما أنه لا يعرف عنهم فعله، كذلك لم يثبت عنهم النهي عنه، أو القول بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما قول بعضهم: بأن بريدة انفرد بذلك، فخطأ، فقد ثبت أيضا عن غيره، قال الحافظ السيوطي: روى ابن عساكر في تاريخه من حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، أن أبا برزة الأسلمي رضي الله عنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على قبر وصاحبه يعذب فأخذ جريدة فغرسها في القبر وقال: ((عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة))، قال: وكان أبو برزة يوصي: إذا مت فضعوا في قبري جريدتين .. الحديث، فهذا يدل على أن أبا برزة أيضا فهم من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشروعية وضع الجريد على القبر، وأن بريدة لم ينفرد بهذا.
وأما قول بعضهم: إن هذا من الأمور المغيبة، ووضع الجريد يستلزم الحكم بأنه يعذب فليس بمجد في المقصود، فقد تعقب الحافظ ابن حجر القاضي عياض لقوله: علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله: ليعذبان، فقال: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن نتسبب له في أمر يخفف العذاب أن لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة.
وأما احتجاج بعضهم بعدم مشروعيته لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله في كل القبور، فهذه أيضا حجة مردودة ومتعقبة بأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى عند قبر كل من دفن ولم يصل هو عليه، ومع ذلك فإن الجمهور يقولون مشروعية الصلاة بعد الدفن لمن فاتته الصلاة والمسألة من مباحث الأصول، على أنه قد صحح الثقات القول بتعدد القصة وثبوتها غير مرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فلا حجة فيما احتجوا به.
صفحة ٥٤