الاجتماع للتعزية في بيت الميت
من أهم المسائل التي يقع بسببها الخلاف والخصام الذي يصل إلى المقاطعة والحكم على الناس بالبدعة والضلال هو جلوس أهل الميت واجتماعهم في مجلس يجمعهم لاستقبال المعزين في وفاة فقيدهم، وقد جرت العادة أن يقف أهل الميت في صف واحد فيما يسمى (بصف العزاء) تسهيلا لمهمة العزاء بدلا من أن يدور المعزي من مكان إلى مكان باحثا عن أهل الميت ليعزيهم وخصوصا إذا فاته حضور تشييع الجنازة، وهذا يوفر على الناس وقتا كبيرا ولولا ذلك لاضطر المعزون إلى المشي لكل واحد من أهل الميت في بيته لتعزيته، كما أن فيه جبرا لخاطر أهل الميت ومؤانسة لهم في وحشتهم وحزنهم أول مصيبتهم، وهي مسألة فرعية لا تستوجب ذلك الإنكار والهجوم الشديد، ولا تقتضي ما يقع بسببه من الخصام والمقاطعة.
والأصل في جوازها أو مشروعيتها ما رواه الإمام البخاري في الجنازة (باب من جلس عند المصيبة). وأبو داود في الجنائز من سننه في (باب الجلوس عند المصيبة) وفي نسخة (باب من جلس في المسجد وقت التعزية) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما قتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن.
فأنت ترى الإمامين البخاري وأبا داود جعلا عنوان الباب بلفظ صريح في الجلوس وقت التعزية، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار. اه.
ثم إن تعزية أهل البيت مقصد شرعي، واجتماعهم في بيت واحد وسيلة يتحقق بها هذا المقصد، والقاعدة عند الفقهاء أن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، فوسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة، وكذلك بقية الأحكام الشرعية.
صفحة ٥٥