اعتراضات مردودة
وقد قال بعضهم: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستدل على عدم مشروعية وضع الجريد على القبر بأمور سنردها فيما بعد:
منها أنه لا يعرف عن أحد من الخلفاء الراشدين، وما ثبت عن بريدة ليس بحجة لأنه انفرد بذلك، ومنها أن هذا من الأمور المغيبة، ووضع الجريد يستلزم الحكم بأنه يعذب في قبره، ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله في كل القبور بل فعله مرة، فدل على أنه خاص بذينك القبرين وأنه ليس مشروعا.
والجواب عن الأول: أن الجمهور من العلماء على أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ولا دليل، قال ابن عبد البر معلقا على حديث أم سلمة في القبلة للصائم: ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ قال فيه: أن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كله يحسن التأسي به فيه على كل حال إلا أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه له خاصة، أو ينطق القرآن بذلك، وإلا فالاقتداء به أقل أحواله أن يكون مندوبا إليه، ومن أهل العلم من رأى أن جميع أفعاله واجب الاقتداء بها كوجوب أوامره، قال: والدليل على أن أفعله كلها يحسن التأسي به فيها قول الله عزوجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...}[الأحزاب:21]، فهذا على الإطلاق، إلا أن يقوم الدليل على خصوص شيء منه فيجب التسليم له، وإلا فلا يجوز ادعاء الخصوص عليه في شيء بوجه من الوجوه إلا بدليل مجمع عليه، وإلا فيما بان به خصوصه في القرآن أو السنة الثابتة أو الإجماع، لأنه قد أمرنا باتباعه والتأسي به والاقتداء بأفعاله، وغير جائز عليه أن يخص شيء فيسكت لأمته عنه ويترك بيانه لها، وهي مأمورة باتباعه، هذا ما لا يظنه ذو لب مسلم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. اه باختصار.
صفحة ٥٣