{ إن الذين كفروا} والكفر سبر (¬1) الحق بالجحود وغيره، والكفر هو التغطية للحق والستر عليه، وإظهار خلافه، كما يقال: «كفر فلان حقه»، إذا أنكره وجحده وغطاه، فالكفر التغطية، فالكفر تغطية الحق، فغطوه وجحدوه. وكفر نعمة الله: جحدها وسترها، والمكفر: المجحود النعمة مع إحسانه، وكافره حقه: جحده، والتكفير في المعاصي كالإحباط [3] في الثواب.
{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} بهمزتين كوفي[كذا]، و«سواء» بمعنى الاستواء، كأنه قيل: إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه، والإنذار التخويف من عقاب الله، {لا يؤمنون(6)}.
{ختم الله على قلوبهم} قيل: الختم التغطية، لأن في الاستيثاق من الشيء يضرب الخاتم عليه تغطية له لئلا يطلع عليه. وقال ابن عباس: «طبع الله على قلوبهم، فلا يعقلون الخير»، يعني أن الله طبع عليها فجعلها حيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر، ولا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان؛ وحاصل الختم والطبع والرين والحجاب والعمى والصمم والغطاء خلق الظلمة والضيق في صدر العبد عندنا، فلا يؤمن ما دامت تلك الظلمة في قلبه. وقال بعضهم: إن إسناد الختم إلى الله تعالى مجاز، والخاتم في الحقيقة الكافر، إلا أنه تعالى لما كان هو قدره ومكنه أسند إليه الختم.
{
¬__________
(¬1) - ... قال في اللسان: «السبر: التجربة، وسبر الشيء سبرا: حزره وخبره»، ثم قال: «قال المؤرج... السبر: العداوة، قال: وهذا غريب»، ويبدو أن المؤلف يقصد بالسبر المعنى الثاني الغريب، فهو أقرب إلى السياق. ابن منظور: لسان العرب المحيط، قدم له العلامة الشيخ عبد الله العلايلي، أعاد بناء على الحرف الأول من الكلمة: يوسف خياط، نشر دار الجيل، ودار لسان العرب، بيروت، 1408ه/1988م، ج3/85.
صفحة ١٤