وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبينا للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج! وقال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" الآية وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه! وأي سبيل أهدى إليه من القرآن!.
والآيات في هذا المعنى كثيرة سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم والمتشابة في أوائل سورة آل عمران.
ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي علمه القرآن وجعله معلما لكتابه كما يقول تعالى: "نزل به الروح الأمين على قلبك" الآية.
ويقول: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" الآية.
ويقول: "يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" الآية.
وعترته وأهل بيته الذين أقامهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المقام في الحديث المتفق عليه بين الفريقين: +" إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "+.
وصدقه الله تعالى في علمهم بالقرآن، حيث قال عز من قائل: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون" الآية وقد كانت طريقتهم في التعليم والتفسير هذه الطريقة بعينها على ما وصل إلينا من أخبارهم في التفسير.
وسنورد ما تيسر لنا مما نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل بيته في ضمن أبحاث روائية في هذا الكتاب، ولا يعثر المتتبع الباحث فيها على مورد واحد يستعان فيه على تفسير الآية بحجة نظرية عقلية، ولا فرضية علمية.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): +" فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرف النصفة، فليرع رجل بصره، وليبلغ الصفة نظره ينجو من عطب ويخلص من نشب، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، يحسن التخلص ويقل التربص "+.
وقال علي (عليه السلام): يصف القرآن على ما في النهج +" ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض الخطبة "+.
هذا هو الطريق المستقيم والصراط السوي الذي سلكه معلموا القرآن وهداته صلوات الله عليهم.
وسنضع ما تيسر لنا بعون الله سبحانه من الكلام على هذه الطريقة في البحث عن الآيات الشريفة في ضمن بيانات، قد اجتنبنا فيها عن أن نركن إلى حجة نظرية فلسفية أو إلى فرضية علمية، أو إلى مكاشفة عرفانية.
واحترزنا فيها عن أن نضع الأنكتة أدبية يحتاج إليها فهم الأسلوب العربي أو مقدمة بديهية أو عملية لا يختلف فيها الأفهام.
وقد تحصل من هذه البيانات الموضوعة على هذه الطريقة من البحث استفراغ الكلام فيما نذكره.
1 المعارف المتعلقة بأسماء الله سبحانه وصفاته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والوحدة وغيرها، وأما الذات فستطلع أن القرآن يراه غنيا عن البيان.
2 المعارف المتعلقة بأفعاله تعالى من الخلق والأمر والإرادة والمشية والهداية والإضلال والقضاء والقدر والجبر والتفويض والرضا والسخط، إلى غير ذلك من متفرقات الأفعال.
3 المعارف المتعلقة بالوسائط الواقعة بينه وبين الإنسان كالحجب واللوح والقلم والعرش والكرسي والبيت المعمور والسماء والأرض والملائكة والشياطين والجن وغير ذلك.
4 المعارف المتعلقة بالإنسان قبل الدنيا.
5 المعارف المتعلقة بالإنسان في الدنيا كمعرفة تاريخ نوعه ومعرفة نفسه ومعرفة أصول اجتماعه ومعرفة النبوة والرسالة والوحي والإلهام والكتاب والدين والشريعة، ومن هذا الباب مقامات الأنبياء المستفادة من قصصهم المحكية.
6 المعارف المتعلقة بالإنسان بعد الدنيا، وهو البرزخ والمعاد.
صفحة ٦