، فأنزل الله تعالى ولو اننا نزلنا عليهم الملائكة { وكلمهم الموتى } فى رسالتك { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا } جمع القبيل بمعنى الكفيل او جمع قبيل هو جمع القبيلة بمعنى الجماعة من الناس او هو مصدر بمعنى المعاينة والمقابلة والمعنى انا لو جمعنا عليهم كل آية معاينة ومقابلة لهم، او لو جمعنا كل شيء من الله والملائكة وغيرهم كفلاء بما بشروا وانذروا او جماعات وحمل الجمع على كل شيء باعتبار عمومه { ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشآء الله } رد لسببية الاسباب الظاهرة للايمان واثبات بسببية المشية له وردع للمشركين والمؤمنين من نظرهم الى الواسطة وغفلتهم عن سببية المشية واقتراحهم وتمنيهم للآية، بان الوسائط ليست اسبابا، بل هى مظاهر لمشيته والسبب لكل مسبب هو المشية، فلو شاء الله لاتى كل نفس هديها من غير واسطة ولو لم يشأ لم تهتد وان كان لها كل واسطة { ولكن أكثرهم } اكثر المؤمنين او المشركين او الجميع { يجهلون } ان المشية هى السبب للايمان لا الآية المقترحة والمتمناة، ولذا يقترحون ويتمنون او الفعل منسى المفعول والمعنى اكثرهم جهلاء.
[6.112]
{ وكذلك } اى كما جعلنا لك عدوا من قومك { جعلنا لكل نبي عدوا } يعنى لا تحزن على معادات قومك فان سنتنا على وفق حكمتنا جرت بجعل العدو للكل نبى ليكون تكميلا لهم واصلاحا لامتهم وسببا لامتياز المنافق منهم عن الموافق واظهارا لفضائلهم على السنة حسادهم، فان فضل المحسود كثيرا يظهر على لسان الحاسد واحتجاجا على طالبى الدين بمعاداة المعاندين، فان معاند الانبياء لا يظهر بمعاداته الا اتباعه الهوى وارادة الدنيا وادباره عن الآخرة، لان الانبياء لا يعارضون احدا فى امور الدنيا بل يدعون الناس فى كمال الشفقة الى الآخرة، وهذا تسلية للرسول (ص) وسائر المؤمنين، والعدو ضد الصديق يستوى فيه الواحد والكثير والمذكر والمؤنث ولذا ابدل عنه الجمع { شياطين الإنس والجن } اعلم، ان الانسان وجملة عالم الطبع واقع بين العالمين العلوى والسفلى كما سبق ولاهل كل من العالمين جهة تسلط وتصرف فى الانسان، وعالم الطبع والعالم السفلى مهوى الشياطين والجن ودار الاشقياء وجحيمهم، والعالم العلوى القريب من عالم الطبع مقر الملائكة ذوى الاجنحة دون المقربين، فان عالمهم اعلى من ذلك والانسان قابل لتصرف اهل العالمين وله امكان التوجه الى كليهما، فمن توجه بسوء اختياره الى السفلى وقبل تصرف الشياطين والجنة وتمكن فى ذلك القبول ولم يبق له جهة استعداد قبول تصرف الملائكة صار مظهرا للشياطين ومتحققا بهم بحيث لم يكن فى وجوده الا الشيطان وكان فعله فعله وامره امره وخلقه خلقه وقوله قوله كما قيل بالفارسى:
جون برى غالب شود بر آدمى
كم شود از مرد وصف مردمى
هرجه كويد او برى كفته بود
زين سرى نه زان سرى كفته بود
وان كان مع ذلك باقيا عليه بعض اوصاف الانسان كان شيطان الانس وان لم يكن كان شيطان الجن، ويحتمل ان يكون المراد بشياطين الجن، الجنة التى تؤذى من طريق الباطن وعلى اى تقدير فالمقصود التعريض بالحبتر والزريق كما فى الخبر، ومن توجه بتوفيق الله الى العالم العلوى وقبل تصرف اهله وتمكن فى ذلك بحيث لم يبق له استعداد تصرف الشيطان صار مظهرا للملائكة بل لله وكان فعله وقوله وخلقه ظهور افعال الملائكة واقوالهم واخلاقهم كما قيل:
جون برى را اين دم وقانون بود
كرد كارآن يرى خود جون بود
صفحة غير معروفة