تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

الجنابذي ت. 1350 هجري
154

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تصانيف

{ ومكروا } اى اليهود الذين احس عيسى (ع) منهم الكفر مكروا لقتله بما سيجيء والمكر اخفاء المقصود واظهار غيره للعجز عن امضاء المقصود جهارا وبهذا المعنى لا يجوز اطلاقه على الله الا من باب المشاكلة { ومكر الله والله خير الماكرين } من حيث المكر لكون الاخفاء والاعلان بيده وفى حكمه بخلاف غيره من الماكرين، او لكون المكر منه عدلا ومن غيره ظلما، او لكون مكره واستدراجه ماضيا لا محالة دون غيره.

تفصيل حال عيسى واخذه وصلبه

نقل ان عيسى (ع) بعد اخراج قومه اياه من بين اظهرهم عاد اليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطؤوا على القتل فذلك مكرهم به، ومكر الله بهم القاؤه شبهه على صاحبه الذى اراد قتل عيسى (ع) حتى قتل وصلب ورفع عيسى (ع) الى السماء وقيل: لما اراد ملك بنى اسرائيل قتل عيسى (ع) دخل خوخته وفيها كوة فرفعه جبرئيل من الكوة الى السماء وقال الملك لرجل منهم خبيث: ادخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى (ع) فخرج الى اصحابه يخبرهم انه ليس فى البيت فقتلوه وصلبوه وظنوا انه عيسى (ع) وقيل اسروه ونصبوا له خشبة ليصلبوه فأظلمت الارض وارسل الله الملائكة فحالوا بينه وبينهم فأخذوا رجلا يقال له يهودا وهو الذى دلهم على المسيح وذلك ان عيسى (ع) جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم ثم قال: ليكفرن بى احدكم قبل ان يصيح الديك بدراهم يسيرة؛ فخرجوا وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه فاتى احد الحواريين اليهم فقال: ما تجعلون لى ان ادلكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فاخذها ودلهم عليه فالقى الله عليه شبه عيسى (ع) لما دخل البيت ورفع عيسى (ع) فأخذ فقال: انا الذى دللتكم عليه فلم يلتفتوا الى قوله وصلبوه وهم يظنون انه عيسى (ع) فلما صلب شبه عيسى (ع) واتى على ذلك سبعة ايام قال الله عز وجل لعيسى (ع): اهبط على مريم لتجمع لك الحواريين فهبط واشتعل الجبل نورا فجمعت له الحواريين فبثهم فى الارض دعاة ثم رفعه الله سبحانه وتلك الليلة هى الليلة التى يدخر فيها النصارى فلما اصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من ارسله عيسى (ع) اليهم فذلك قوله عز وجل، { ومكر الله والله خير الماكرين } ، وذكر فى الانجيل ان يهودا الذى دلهم على عيسى (ع) ندم على فعله والقى الدراهم اليسيرة وكانت ثلاثين قطعة من الفضة فى معبدهم وقتل نفسه. وورد فى اخبارنا انه القى شبه عيسى (ع) على شاب من تابعيه ليكون معه فى درجته. وفى الانجيل ان الذى كفر به الليلة التى أخذ فيها ثلاث مرات قبل ان يصيح الديك كان شمعون وانه كفر به، وانكره ثلاث مرات، وفى الانجيل ان اليهود صلبوا عيسى (ع) والتمس رجل من تابعيه من الملك ان يدفن جثته فأذن له ودفنه فى قبر نحته من الحجر لنفسه والقى على بابه حجرا عظيما ثم رفع من القبر بعد الموت واجتمع له الحواريون وعلم كل بلغة من ارسل اليهم، وروى عن النبى (ص) انه قال

" بعث الله عيسى بن مريم (ع) واستودعه النور والعلم والحكم وجميع علوم الانبياء قبله وزاده الانجيل وبعثه الى بيت المقدس الى بنى اسرائيل يدعوهم الى كتابه وحكمته والى الايمان بالله ورسوله فابى اكثرهم الا طغيانا وكفرا فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسح منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم ذلك الا طغيانا وكفرا فاتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت انها عذبته ودفنته فى الارض حيا، وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وانما شبه لهم "

، وروى عن الباقر (ع) ان عيسى (ع) وعد اصحابه ليلة رفعه الله اليه فاجتمعوا اليه عند الماء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين فى زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال ان الله اوحى الى انه رافعى اليه الساعة ومطهرى من اليهود فايكم يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب فيكون معى فى درجتى؟ - فقال شاب منهم: انا يا روح الله قال فأنت هو فقال لهم عيسى (ع) اما ان منكم من يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة فقال له رجل منهم انا هو يا نبى الله فقال عيسى (ع) اتحس بذلك فى نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى (ع) اما انكم ستفرقون بعدى على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله فى النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله فى الجنة، ثم رفع الله عيسى (ع) اليه من زاوية البيت وهم ينظرون اليه ثم قال ان اليهود جاءت فى طلب عيسى (ع) من ليلتهم فأخذوا الرجل الذى قال له عيسى (ع): ان منكم لمن يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذى القى عليه شبه عيسى (ع) فقتل وصلب وكفر الذى قال له عيسى (ع) يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة.

[3.55]

{ إذ قال الله يعيسى إني متوفيك } اى قابضك من الارض بحيث لم ينالوا منك شيئا من غير قبض روحك من توفيت مالى بمعنى أخذته بتمامه او متوفيك توفى منام على ما روى انه رفع نائما نظيره قوله هو الذى يتوفاكم بالليل اى ينيمكم او متوفيك توفى مماة؛ على ما نقل انه اماته ثلاث ساعات او على ما نقل فى الانجيل انه صلب وقتل ودفن او هو على التقديم والتأخير معنى بناء على ان الواو لا يفيد ترتيبا اى انى رافعك ثم متوفيك { ورافعك إلي } اى الى سمائى وسمى رفعه الى السماء رفعا الى نفسه تشريفا للسماء لانها بمنزلة حضرته { ومطهرك من الذين كفروا } من لوث مجاورتهم ومعاشرتهم او من منقصة قصدهم وقتلهم اياك { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا } بك من اليهود المكذبين وغيرهم واما المسلمون فانهم غير مكذبين له وغير كافرين به بل هم الذين اتبعوه حقيقة فى اخباره ببعثة محمد (ص) فهم ايضا فوق الذين كفروا بالحجة والغلبة فى الدنيا والآخرة، واتى باسم الفاعل فى الاوصاف المذكورة الدال على الثبات والاستمرار للاشارة الى انها واقعة منه من حين التكلم وعلى هذا يجوز ان يكون { إلى يوم القيامة } متعلقا بالجميع على سبيل التنازع لا بجاعل الذين اتبعوك فقط { ثم إلي مرجعكم } الخطاب لعيسى (ع) وتابعيه ومكذبيه { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } ثم بين الحكم بينهم بقوله تعالى { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا }.

[3.56]

{ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا } كون هذه الجملة تفصيلا لقوله تعالى { فأحكم بينكم } وترتب قوله { فأحكم بينكم } على قوله تعالى { ثم الى مرجعكم } وتعقيبه لقوله تعالى { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } يدل على ان الرجوع الى الله بعد اتمام جعلهم فوق الكفار بالوصول الى يوم القيامة والتعذيب فى الدنيا يكون بعد رجوعهم الى الله وهو يدل على ان الرجوع الى الله يجوز ان يقع حين كونهم فى الحياة الدنيا كما عليه محققوا العلماء والعرفاء يعنى اذا تم فوقية المؤمنين على الكفار بوصولهم الى يوم القيامة حال كونهم فى الحياة الدنيا انقلب ابصارهم ورأوا رجوع الكل الى الله وانه فى المحاكمة بينهم بتعذيب الكفار فى الدنيا برذائل النفوس ووارداتها ومخوفاتها بحيث يحسبون كل صيحة عليهم وبالواردات الغير الملائمة من القتل والاسر والنهب وغير ذلك { والآخرة } بأنواع عذاب الجحيم او فى الدنيا بالواردات الغير الملائمة البدنية وفى الآخرة بالاوصاف والواردات الغير الملائمة النفسانية { وما لهم من ناصرين } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة.

[3.57]

صفحة غير معروفة