تفسير العثيمين: الشورى
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
الطلبِ، تقولُ: استسقى بمعنى: طَلَبَ السُّقيا، استغفرَ بمعنى: طَلَبَ المغفرةَ، استرحمَ بمعنى: طلبَ الرحمةَ، وما أشبهَ ذلك، وقد تأتي بغيرِ ذلك كما في قولِك: استكبرَ ليس فيها طلبُ استكبارٍ، لكنه بلغَ في الكبر غايتَهُ.
وقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: يطلبون المغفرةَ من اللهِ، والمغفرةُ قالوا: إنها مشتقةٌ من المِغفرِ، المغفرُ: شيءٌ يجعَلُه المقاتلُ على رأسِهِ يغطي الرأسَ ويقيه السهامَ، ففيه سترٌ ووقايةٌ، فإذا قلتَ: أستغفرُ اللهَ، أو ربِّ اغفرْ لي، فأنت تَطْلُبُ شيئْين:
الشيءُ الأولُ: السترُ، سترُ عيوبِك عن الناسِ، لو عَلِمَ الناسُ ما عندك من الذنوبِ ما رَدُّوا عليكَ السلامَ، كما قال القحطانيُّ ﵀:
واللهِ لو علموا خَبِيءَ سَرِيرتي ... لأبى السلامَ عليَّ مَنْ يلقاني (^١)
فأنت تسألُ اللهَ أن يسترَ عليك.
الثاني: تسألُ اللهَ وقايةً من الذنبِ، وقايةَ العذابِ، كُلُّ مُذْنِبٍ مستحقٌّ للعقابِ.
لو قال الإنسانُ: المغفرةُ عدمُ المؤاخذةِ على الذنبِ، نقولُ: هذا بعضُ معناها، فمعناها: سَتْرُ الذنبِ وعدمُ المؤاخذةِ عليه.
وقولُهُ: ﴿لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ (من) هُنَا اسمٌ موصولٌ يفيدُ العمومَ، وهو ليس عامًّا، إنما هذا عامٌّ يُرادُ به الخاصُّ؛ بدليلِ قولِهِ تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ [غافر: ٧]. إذنْ ﴿لِمَنْ﴾ هنا عامٌّ يُرادُ به الخصوصُ.
_________
(^١) نونية القحطاني (ص: ١٨).
1 / 42