وحده أو سائر الاخلاط معه؟ ذهب جماعة منهم صاحب الشافي إلى الأول محتجين بأن النمو والتحليل لا يكونان إلا من الألطف ولا ألطف من الدم لحرارته ورطوبته وفائدة الغذاء ليس إلا الأمران المذكوران فيكون هو الغاذي والصغرى باطلة لان التحليل بالرياضة ولا شك في اختلافها فيكون منها كالصراع محللا للأصلب قطعا وإلا لتساوى نحو الصراع والمشي والخفيف وكذا الكلام في النمو.
وأما احتجاجهم بأن النمو غير محسوس للطافة ما يدخل وهو الدم وبأنه لو كان الغاذي كل خلط على انفراده لاختلفت أجزاء البدن فمردود بأن النمو طبيعي فلا يحسن وإن كثف وبأن اختلاف أجزاء البدن قطعي. على أنا لا نقول بأن الخلط يغذى منفردا بل هي ممتزجة بقانون العدل لما مر في علة التربيع وبهذا سقط ما قاله في الشافي من أنه لو غذى كل خلط وحده عضوا مخصوصا لكان اللحم لاغتذائه بالدم أفضل من الدماغ على أنا لا نمنع زيادة البلغم في غذاء الدماغ ولان الحكيم كونه باردا رطبا لأجل التعديل بمقابلة القلب فلو غذاه الدم وحده لفات هذا القصد وتكلفه بأن الدم متشابه الاجزاء حسا مختلف معنى وإلا لتشابهت الأعضاء مبنى على أن الغاذي هو الدم وحده وقد علمت بطلانه وأما احتجاجه بأن الغاذي لو كان من الاخلاط الأربعة ممتزجة للزم أن لا يسهل الدواء خلطا بعينه ولم يقع مرض من خلط مفرد ولم يحتج إلى تمييزها في الكبد ولكانت الاخلاط خمسة للمفردات والمركب فغفلة منه وسفسطة لان ما يميزه الدواء ويوجب المرض هو الزائد الكائن من نحو إفراط الشاب الهندي صيفا في أكل العسل إذا اعترته حمى صفراوية لان الغاذي ملائم والمرض مناف وإلا لتساويا ولكان الاسهال ينقص جوهر الأعضاء وأما التمييز فللمنافع المذكورة وهو بعض من الخلط لا كله، وأما أن الاخلاط خمسة فلا مانع بل هي ثمانية كما سبق وإنما المراد بالأربعة الحاصلة من كل مركب بواسطة الكيفيات لا الممكن الانقسام بعد التوليد وأما قول الشيخ في الشفاء إن الغاذي في الحقيقة هو الدم والاخلاط كالأبازير فقد قررنا في بعض حواشينا عليه أن معنى هذا الكلام أن الاخلاط داخلة في التغذية مع مزيد فوائد أخذا من المقاس عليه ولذلك قال في الحقيقة الدقيقة لا تخفى على الذوق السليم، والثاني هو الأصح وعليه الطبيب والأكثر لظهور الاخلاط في الدم وتغذية المختلفات كما عرفت.
(تنبيهات: الأول) قد ثبت أن البلغم كطعام لم ينضج والدم كمعتدل النضج والصفراء كمجاوز الاستواء ولم يحترق والسوداء كمحترق ولا شك في جواز تبليغ القاصر مرتبة الذي بعده وهكذا فهل يجوز العكس فتصير السوداء صفراء قال به قوم محتجين بأن إفراط المحموم بالصفراء في المبردات يردها باردة كانقلاب البرسام ليثرغس والصحيح عدم جوازه وإلا لجاز كما قال ابن القف انقلاب اللحم المتهري نيئا (الثاني) اختلفوا في نسبة الاخلاط بعضها إلى بعض فكاد ينطبق الاجماع على أن الأكثر الدم ثم البلغم ثم الصفراء ثم السوداء ثم قال ابن القف إن نسبها تعرف من الفترات والنوب في الحمى فيكون البلغم سدس الدم والصفراء سدس البلغم والسوداء ثلاثة أرباع الصفراء وفيه نظر لان حمى الدم مطبقة وفترة البلغم ستة فينبغي أن تكون ربعا والصحيح عندي أن النسب تابعة للغذاء فأكثر المتولد من مرق لحوم الفراريج وصفرة البيض في البدن المعتل الدم ثم الصفراء للطف الحرارة ثم البلغم للطف الرطوبة بعدها والعكس في نحو لحم البقر (الثالث) أن طبائع الاخلاط على ما تقرر سابقا عند الجمهور وقال في الشفاء إن جماعة من الأطباء يرون برد الصفراء محتجين بما يحصل من القشعريرة وحر السوداء لصبر صاحبها على البرد وهو فاسد قطعا لان الأول مناقض ظاهرا وإلا لم يحتج صاحبه إلى الماء والثاني للصلابة بفرط اليبس (الرابع) اختلفوا في المهضم فقال الجمهور
صفحة ١١