وقد اتفق الفقهاء على قتل من ترك الصلاة وإنما اختلفوا في صفة قتله فقال بعضهم: يقتل بالسيف وقال أهل العراق: يقتل بالسوط وقيل: يطعن بالرماح وإنما يقتل تاركها لأنها تلو الإيمان وثانيته وكما يقتل تارك الإيمان كذلك يقتل تارك الصلاة وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أنه كافر يقتل ولا ترثه ورثته من المسلمين ويستتاب فإن تاب وإلا قتل وحكم ماله كحكم مال المرتد وهو قول إسحاق بن راهويه، قال إسحاق: وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا، هكذا حكاه أبو عمر. وقيل إن فضل العبادات وشرفها على قدر درجاتها وفائدتها فحيث عظمت الفائدة كانت العبادة أفضل, وترتيب فضائل العبادات بترتيب فوائدها: فأفضل العبادات فائدة هي أفضل العبادات, وذلك معرفة الله تعالى والإيمان به الذي هو شرط في كل عبادة, فإن الله تعالى لا يقبل عمل كافر ولا يرضيه عبادة كافر, وإن سخطه عليه سرمدا لا يلحقه عفو, ولا يشوبه رضا, ولا يتصور مع ذلك قرب. ولذلك قال وقوله الحق: {إنما يتقبل الله من المتقين} أي الذين اتقوا الكفر: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} فمن العبادات ما تختص فائدته بالمكلف كالصوم والحج والعمرة والاعتكاف ومنها ما يتعدى المكلف كالصدقة والكفارات وعلى قدر التعدي يكون الفضل. ولذلك كانت الصلوات أفضل العبادات التي بالأبدان بعد المعرفة والإيمان, لأن فائدتها تنقسم إلى مختصة بالمصلي وإلى متعلقة بالله ورسوله. وجميع أهل الإيمان. والصلاة على هذا التقدير أجمع خصلة من خصال الدين وذلك أن أولها الطهارة سرا وجهرا ثم جمع الهمة وإخلاء السر وهو النية ثم الانصراف عن ما دون الله إلى الله بالقصد إليه وهو التوجه, ثم الإشارة برفع اليدين إلى نية ما يربط, ثم أول الأذكار فيها التكبير, وهو النهاية في تعظيم قدرة الله تعالى, وهو قوله الله أكبر, ثم أول ثناء فيها ثناء لا يشوبه ذكر شيء سواه وهو قوله سبحانك اللهم وبحمدك وتعالى جدك ولا إله غيرك, ثم قراءة كلامه وهي الفاتحة التي جعلها بينه وبين عبده يقرؤها قائما منتصبا قد زم جوارحه هيبة وخشوعا وإجلالا وتعظيما. ثم تحقيق ما عبر بلسانه عن ضميره من التعظيم لله تعالى فعلا وحركة وهو الركوع والسجود, وأذكارهما تنزيه الله عز وجل لإجلاله وتعظيمه بقوله سبحان ربي العظيم, سبحان ربي الأعلى, ثم مع كل تكبيرة ما عدا الرفع من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده, بإجماع, فإذا تشهد أضاف جميع الأعمال إلى الله تعالى, ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويشهد له بالرسالة, ثم يسلم على جميع عباد الله الصالحين وذلك متعلق بكل عبد صالح من أهل السموات والأرض, ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وجوبا عند الشافعي ومحمد بن المواز ومن وافقه, وندبا عند الجميع. ثم يتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال, ومن فتنة المحيا والممات وجوبا عند طاوس وندبا عند الجميع. وليست هذه الخصال بأجمعها أجمل منها في الصلاة, ولذلك كان عليه السلام يقول: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) وعن وهب بن منبه قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة من السماء: إن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام: أتدري لم اتخذتك خليلا, قال: لا يا رب, قال: لزلة مقامك بين يدي في الصلاة, ذكره أبو نعيم الحافظ ولشرفها وفضلها وصفت بالنهي عن الفحشاء والمنكر, ورفع الدرجات, وتكفير الخطيات, ومقصودها الأعظم تجديد العهد بالله عز وجل, ومناجاته. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المصلي يناجي ربه عز وجل)) وقد اشتملت من أعمال القلوب والألسن والجوارح فرضا وندبا على ما لم يشتمل عليه غيرها, ونهي فيها عن أعمال وأقوال لم ينه في غيرها عنها, كل ذلك ليتوفر المكلف على الإقبال عليها. ولذلك جعلت لها مواقيت متقاربة لئلا يبعد عهد العبد بذكر الله تعالى, قال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} وقال: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى قوله: {وحين تظهرون} وقال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري}. قيل لتذكرني فيها وأذكرك بها. وقيل عند خلق الذكر بها. وهذا لمن نام عنها أو نسيها كما قال صلى الله عليه وسلم : ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) فإن الله عز وجل يقول: {أقم الصلاة لذكري}. وكان ابن شهاب يقرؤها (للذكرى).
الباب السابع عشر في المدة التي يستحب فيها ختم القرآن في
الصلاة وفضل ذلك
مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم وإما أرسل لي فقال: ((ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة))؟ فقلت: بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير, قال: ((فإن بحسبك من ذلك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام)) قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال: ((فإن لزوجك عليك حقا, ولزورك عليك حقا, ولجسدك عليك حقا, فصم صوم نبي الله داود عليه السلام فإنه كان أعبد الناس)) قال: قلت: يا نبي الله وما كان صوم داود؟ قال: ((كان يصوم يوما ويفطر يوما, واقرأ القرآن في كل شهر)) قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك, قال: ((فاقرأه في كل عشرين)) قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك, قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك فإن لزوجك عليك حقا ولجسدك عليك حقا)) قال: فشددت فشدد علي. قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنك لا تدري لعلك يطول بك عمرك)) قال: فصرت إلى الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم , فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم .
صفحة ٨٢