فلما بلغ مبلغ الرجال وقرأ وتصفح ، نظر إليه رجل من أهل مذهبنا ، فقال له يا بنى ، ان كنت جادا فيما أراك تطلبه فاقصد ابا عبيدة مسلم بن ابى كريمه ، تجد عنده ماتطلب . فسار عبد الرحمن بن رستم إلى ابى عبيدة رحمة الله فاجتمع بالنفر الذى ذكرنا ، فصدوا ابا عبيده رحمه فصافحهم ابو عبيده وسألهم عن احوالهم ، ومن أين أقبلوا فاخبروه انهم أرادوا تعلم العلم ، فاجابهم إلى ذلك ، ومكثوا عنده عدة سنين ، وكان أبو عبيدة رحمة الله مستخيفا تخوفا من بعض أمراء البصرة (1) فادخلهم سربا وجعل فيه سللسة وطفق يعمل القفاف بباب السرب فمتى رأى شخصا مقبلا حرك السلسلة فسكتوا فإذا انصرف حركها فيأخذون في دراستهم ، وكان عبد الرحمن شابا جميلا حديث السن وكان أبو عبيدة يجعل بينه وبين الناس سترا لئلا يشغلهم بجماله ، فلما بلغوا من العلم ما شاء الله وأرادوا الانصراف إلى بلادهم رغب عجائز متصلحات من المذهب إلى ابى عبيده في أن يريهن عبد الرحمن ليودعنه ويزودنه بالدعاء ، فقالت أحداهن : بارك الله فيك كما بارك في عين الشمس ، وقالت الثانية بارك الله فيك كما بارك في انسان العين ، وقالت الثالثة : بارك الله فيك كما بارك في مطيب الطعام من الملح .
فلما عزموا على المسير إلى بلادهم كلموا أبا عبيدة وشاوروه فيما يستقبلون من أمورهم ، فقالوا له : يا شيخنا أرأيت أن لو كانت لنا قوة بالمغرب ووجدنا في أنفسنا طاقة أفنولى علينا رجلا منا ؟ فقال لهم أبو عبيدة توجهوا إلى بلادكم فان يكن في أهل دعوتكم من العدد والعدة ما تجب معه التولية عليكم فولوا على أنفسكم رجلا منكم، فان ابى فاقتلوه ، واشار إلى أبى الخطاب رحمه الله تعالى .
صفحة ٢١