============================================================
ثم لما راينك وقع فى نفسى أن لى أشكالا سواك، فقال له الظبى : نعم ، ان اشكالا لك كثيرة ، فقال له الغزال : اين هى ؟ فأخبره الظبى بتوحشها وانفر ادها فى فلوات(1) الأرض فرارا من الناس ، وحدثه عن مراتعها ومواردها وازدواجها وتتاسلها ، فارتاح الغزال لما سمع من الظبى، وتعنى ان يراها فيكون معها، فقال له الظبى : هذه أمنية لا خير لك فيها، وأنت نشأت فى ال رفاهية العيش، وأمنة لا تعرف غيرها، ولو حصلت فيما تمنيت لندمت .
اوإنه كان يقال : ثلاثة من لم ينزلها منزلتها ويرع لها حقها أسرعت مفارقته ال اوالتحول عن قربه، وهى : الملوى، والعلماء، والنعم.
وكان يقال : الأمانى فى الشدة ارتياح ، وفى الرخاء جماح(1)، فلا ينبغى اان يأذن العاقل لنفسه من الأمانى الا فى المقدار الذى يؤنس الوحشة وينفس الكربة ، فإن استيلاء الأمانى على النفوس ؛ كتآمر السفلة الذين يعيدون الرؤوس أعجازا(2)والاعجاز رؤوسا ويسعون فى قلب الأعيان وتغيير صورة الصواب ، فقال الغزال للظبى : لابد لى من اشكالى ، فلما رأى الظبى أن الغزال غير منته ال اوخاف عليه أن يقطع به قبل بلوغه ما تمناه؛ لأنه غر لا يعرف التحرز من مكايد النفس لم يجد بدا من اتباعه والكون معه ليقضى حق حرمة ألفته إياه، فرصدا حينا يمكن فيه الفرار وخرجا معا حتى لحقا بالصحراء . فلما عاينها الغزال فرح ومرح وذهب يعدو ولا يشيه شىء، حتى سقط فى آخدود ضيق قد قطعه السيل فلبث فيه وانتظر أن يأتيه الظبى ليخلصه فلم يأته فبقى هنالك .
ل وأما ولد التاجر، فانه اصبح وعدم الغزال والظبى وجزع لفقدهما وأشفق ابوه عليه، فاستدعى كل من يعانى الصيد بذلك البلد فعرفهم القصة وكلفهم طلب الظبى والغزال، ووعد من وجدهما وعدا مرغوبا فيه، فانبثوا(2) فى سهل الأرض وحزنها(5) يطلبونهما ، وركب التاجر دابته ، وفرق أتباعه على أبواب (1) الفلوات ، مفردها : فلاة وهى المساحة الواسعة من الأرض الفضياء.
(2)انهزام وضعف .
(3) الاعحان، مفردها : عجز وهو مؤخرة الشىء ، والمراد : قلب الأمور رأسا على عقب 4) الانبثاث : الاتتشار والتفرق والمراد : جدوا فى طلبهم والبحث عنهم .
(5) الحزن : ما غلظ من الأرض وصعب .
صفحة ٦٨