============================================================
عبد الملك(1) قد أوغر عليه الصدور، وشرد عنه القلوب ، واستجاش اليمن عليه، ونازعه رداء ملكه ساعيا فى هلكه، استوحش من بطانته ، واحتجب عن سماره، فدعا عشية من عشايا وحشته خادما له فقال : انطلق متكرا فقف ببعض الطرق وتأمل من يمر بك من النس ، فاذا رأيت كهلا رث الهينة ال والملبس يمشى مشيا هونا وهو مطرق فسلم عليه وقل له فى آننه : إن أمير المؤمنين يدعون، فإن أسرع الإجابة مائتى به ، وان تلكا أو عارض أو استراب فدعه، واطلب غيره حتى تاتينى برجل على الشرط.
فلما دخل الكهل على الوليد بن يزيد حياه بتحية الخلافة وقام، فأمره الوليد ال بالدنو والجلوس ، وأمهله إلى أن ذهبت روعته وسكن جاشه، ثم اقبل عليه فقال: اتحسن مسامرة الخلفاء ؟ فقال الكهل: نعم أحسنها يا أمير المؤمنين فقال له الوليد: ان كنت تحسن مسامرة الخلفاء فأخبرنا عنها ما هى؟ .
فقال الكهل : المسامرة إخبار لعنصت وانصات لمخبر، ومفاوضة فيما ال يجب ويليق، فقال له الوليد: أحسنت أيها الرجل، لأزيدك امتحانا، فقل ننصت لقولاى.
فقال الكهل : يا امير المؤمنين : إن المسامرة صنفان لا ثالث لهما : احدهما: إخبار بما يوافق خبرا مسموعا، والثانى: إخبار بما يوافق غرضا مقترحا، وإنى لم أسمع بحضرة أمير المؤمنين حديثا، فأعذو على مثاله ولا اقترح على امير المؤمنين سلوك طريقة فأنحو نحوها وألزم أسلوبها .
فقال الوليد : صدقت ، وها نحن نقترح عليك ونرسه لك رسما لتقتفيه : إنا بلغا أن رجلا من رعييتا سعى فيما يضم ملكنا، فأزمن سغيه (2) ، وشق ذلك عبد الملك، علش فى قصره فى البادية منصرفا الى الشعر والموسيقى حتى قتل عام (126) وقد تولى الخلافة عام (125ه) سير أعلام النبلاء (794).
(1) يزيد بن الوليد ؛ الخليفة ابو خالد القرشى الأموى التمشقى ، استخلف بعهد عقده له أخوه ليمان بعد عمر بن عبد العزيز، وأمه هى عاتكة بنت يزيد بن معاوية . ولد سنة (71ه) وكان لا يصلح للابعامة، مصروف الهمة إلى للهو والغوانى . مات سنة 105ه) . سير اعلام التبلاء (679).
(2) أى طال سعيه .
صفحة ٢٧