وما أن يقوم الملك بنفسه بتجريب هذه الأشياء الثلاثة، حتى يجدها كما وصفت له، إلا أن ابنه الوحيد ما أن يركب الحصان حتى يطير به جانحا.
وهكذا تواصل الخرافة استطرادها حين ينتقل الحصان بابن الملك في حكايات جانبية إلى مدينة مسحورة، وقصر هائل لبنات ملك أسرى، ما أن يتعرض لإنقاذهن حتى يأسره ملك المدينة، ولا ينقذه إلا حصانه السحري، المغطى بالأزرار للإسراع والهبوط، كمثل حافلات الفضاء الحديثة، ثم كيف تعرضت هذه الفرس السحرية، لتكسير وتدمير الملك الأب في النهاية.
وقد ادعى كل من عالمي الساميات والآريات: تيودور بنفي، وإستوب أنها حكاية ذات جذور هندية فارسية واضحة.
ذلك أن عنصر الحصان السحري المدجج الطائر، جاء ذكره في مواضع عدة من مجموعة الحكايات أو الأسفار الهندية الخمسة في البنكاتانترا، فالملفت هنا أن معظم المتحمسين للأصل الهندي لألف ليلة وليلة ركزوا جهودهم على عنصر، أو خرافات الطيران والمخترعات الطائرة باعتبارها عناصر هندية آرية وردت بكثرة في مدونات الحكايات الخرافية الهندية الأكثر قدما - كما ذكرنا.
ولا بأس من إيراد أصل الحكاية العربية من ألف ليلة، الذي سبق أن أورده عالم الآريات ألسدروف، والذي ركز بحثه في مجمله على المنابت الآرية لليالي، وموجز الحكاية الهندية يرد على النحو التالي:
كان يجلس على عرش مدينة «تامرليتي» ملك يدعى «ريبوادمنا» وكان ينادمه تاجر من أغنى الأغنياء، وفي ذات المدينة كان يعيش نجار فقير مات مخلفا طفلا لم يورثه سوى البؤس والتعب، وكان هذا الطفل الفقير المعدم يقتات من قشر الحبوب؛ لذلك أطلق عليه الأهالي اسم «كوكسا».
عطف عليه التاجر الغني، فاصطحبه معه في مركبته المليئة بالبضائع إلى بلاد اليونان، وهناك تعرف على نجار، لمح في عينيه الذكاء فعلمه صناعة النجارة التي أتقنها كوكسا عند عودته إلى الهند.
حتى إنه لكي يلفت إليه أنظار الملك صنع حمامتين، كان يرسلهما يوميا إلى مخازن أرز الملك لتعودا إليه ببعض المحصول، وحين علم الملك من حراسه بما يفعله كوكسا، طلبه فمثل بين يديه وقص عليه صادقا حكايته. أعجب به الملك، وكلفه بصناعة مركبة تطير في الأعالي، فأعدها كوكسا وطارا معا وشاهدا عجائب الكون.
وتمضي الحكاية كاشفة عن قدرات ذلك المخترع الصغير كوكسا، صانع مركبات الفضاء، الذي ذاعت شهرته من ملك لآخر، إلى أن صنع فرسين تطيران، ركبهما الأميران ابنا الملك فطارا بهما، وكانا لا يحسنان قيادة الأحصنة الطائرة ، وكانت نتيجة ذلك إقدام الملك على إعدام كوكسا، وتدمير مخترعاته، وبالطبع لم يتوقف ذلك المستشرق ألسدروف بإيراده لحكاية ذلك المخترع الخرافي كوكسا، بل دعم آراءه حول الأصول الآرية لألف ليلة وليلة، بالكثير من العناصر والتمايزات القابلة للمقارنة مع الأصول أو النص العربي لليالي، واستفاضته في المخترعات السحرية، والرغبات الدفينة للاختراع والتفوق والسيطرة على المقدرات العلمية منذ عصور ما قبل العلم، وهو ما سبق أن بشرت به الليالي، كمحصلة نهائية لكلتا المخيلتين المتتاخمتين الآرية والسامية العربية.
القسم الرابع
صفحة غير معروفة