ونفس الشيء أو التساؤل، حول الأصول الآرية أو الهندو أوروبية على الكثير من سيرنا وملاحمنا، وأخصه هنا مخزون الحكايات التي جاءت بها ألف ليلة وليلة، وهي المناقشات التي اندلعت منذ أواخر القرن الماضي، وشارك فيها من علماء الآرية والسامية: «تيودور بنفي»، و«شليجل»، و«غولد ميستر»، والكثير من المستشرقين وعلماء السامية، الذين أبدوا تحمسا للأصل الهندي الفارسي الآري لليالي في مواجهة العقل والمخيلة العربيين، منذ ظهور ترجمة أنطون جالان لألف ليلة عام 1704، وما صاحبها من حملات الهجوم الضاري على العرب الساميين بعامة، خاصة من المستشرقين والمهتمين بالدراسات الهندية أمثال «فيبر» و«جراي» و«شربنتيه» بالإضافة إلى علماء السامية أمثال «ميللر» و«ستوب» و«ليتمان» وهم الذين اتخذوا أو هم أجمعوا على رأي أكثر موضوعية في القول بأن حكايات ألف ليلة وخرافاتها ما هي في نهاية الأمر، سوى محصلة نهائية لكلا المخيلتين عربية سامية وفارسية آرية.
من ذلك ما أشار به عالم الآريات «أوستوب» في القول بأن بعض الحكايات والمأثورات ذات أصول هندية آرية، ومن ذلك حكاية أوفبيولا «حسن البصري»، بالإضافة إلى الكثير من العناصر والسمات في أسلوب صياغة بعض حكايات المخاطر الاستطرادية، وكيفية التتابع من عنصر لما يعقبه وعلى رأس هذه المواضيع والموتيفات ما يتصل بإدانة المرأة وخيانتها، مضافا إليه - بالقطع - حكايات الحيوان الشارحة والطوطمية.
بل وصل الأمر إلى حد الادعاء بأن قصص السندباد، والأسفار والمخاطر دخيلة بكاملها على الآداب العربية من فولكلورية وتقليدية أو كلاسيكية، متناسين - بالطبع - أقدم وأعرق قصص الأسفار المخاطر، وهي ملحمة جلجاميشي البابلية العربية.
ثم تجيء بعد ذلك الإضافات القيمة للعالم «ل. ألكسندروف» والتي نشرت تباعا بمجلة المستشرقين منذ عام 1935، تحت عنوان «شواهد جديدة على الأصل الهندي لألف ليلة وليلة»، وتوصل فيها إلى الجذور السامية لليالي، متفقا في هذا مع برزلسكي ، وهي العناصر السيامية المعروفة بالسفيمفرا، وهي عناصر وسمات فولكلورية أو شعبية، كان لها أهم التأثير في مجمل الآداب والمدونات السنسكريتية، بين الهنود الأوائل الذين كانوا يقيمون في الهند فيما قبل نزوح العنصر الآري إليها.
ومن هذه السمات ذات الأصول السامية، ما يتصل بالدمى السيامية وما يشاع حولها، ومن ذلك الطيور الآدمية، أو الطيور الآدمية الراقصة التي عرفناها في باليه تشايكوفسكي بحيرة البجع، ومدى تأثير الريش كعنصر سحري فولكلوري، مثلما يشاع عن هدهد بلقيس ملكة سبأ، الذي تواتر إلى ريش - عرف أو تاج - رأس الهدهد وقوته السحرية الجنسية.
فمثل هذا العنصر حول الطيور الآدمية وريشها الجذاب، يتبدى في حكاية أو خارقة حسن البصري في ألف ليلة وليلة، وهي الحكاية التي تعرضت لسيول من الدراسات المقارنة، أهمها - كما ذكرنا - دراسة ألكسندروف الذي ذكر أنها حكاية هندية فارسية، أهم عناصرها: موتيف سرقة الريش، رغبة في التفوق والطيران.
بما لا ينسينا الرغبة الأزلية القديمة للإنسان - في عمومه - بالطيران، ولو عن طريق أبسطة ألف ليلة المحلقة الطائرة بالبطل.
ففي الليلة السابعة والخمسين بعد الثلاثمائة نقرأ حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس لذلك الملك المهيب الذي جاءه ثلاثة حكماء، مع أولهم طاووس من ذهب، ومع الثاني بوق من نحاس، ومع ثالثهم فرس من أبنوس أو عاج، وعندما طالبهم الملك بمعرفة أهمية ومنافع هذه الأشياء، قال أولهم: إن من فوائد طاووسه أنه كلما انقضت ساعة صفق طاووسه بجناحيه مهللا؛ فيعرف الوقت، وأخبره صاحب البوق أنه من فوائد بوقه أنه لو وضع خارج المدينة واقتحمها عدو غاصب صرخ البوق منذرا ومحذرا،
5
ثم أجابه صاحب الفرس أن بمقدور حصانه - الأحجب - ذلك أن يصل من اعتلى ظهره إلى أقاصي الأرض.
صفحة غير معروفة