فالمنهوم الذي ينتهي بطنه، ولا تنتهي نفسه،
21
والحريص الذي يفرغ عمره، ولا يفرغ أمله، والفاجر الذي تذهب مروءته، ولا تذهب لذته، والمدمن الذي يسقط عقله وخياله لا يزال يعلو، والمقامر الذي لا ينفك يطمع في الغنى وهو فقير حتى من الفقر
22 ... كل واحد من هؤلاء مريض بمرض خيالي واحد، أما الذي هو مريض بشيء من كل شيء، فهو العاشق المريض بامرأة يهواها!
وهل في شقوة الخيال، وشدة غلوائه أعجب من خيال هذا العاشق؛ إذ يرى الجمال المخلوق كله لا يبلغ مبلغ القبلة الأولى التي لا تزال في شفتي حبيبته لم تخلق بعد؟
المرأة في النساء امرأة، كالواحد في العدد واحد، بيد أن خيال العاشق يرقم إلى هذا الرقم الفرد صفا طويلا لا يراه أحد غيره، فالواحد اسمه واحد، ومعناه ملايين كثيرة ... وبهذا يصبح العاشق مع المرأة الخيالية كالنسر حطمت مخالبه، وصدع منقاره، ونسل جناحاه، فاسمه نسر، ومعناه دجاجة ...
أف للشعر! يعلو بالأشياء كلها علو الأسرار الإلهية التي فيها، ويعلو بالشاعر على كل الناس؛ إذ كان فيه من روح الله أكثر مما فيهم، ثم لا يكون عقابه على هذا التأله إلا أن يرمي بصاحبه من فوق سماواته تحت قدمي امرأة إن كان في الشاعر روح رجل تام، أو بين سفلة الخلق، وسفاسف الأشياء، إن كان الشاعر مؤنث النفس أو ساقطها.
آه ... آه! إن الله لا ينعم قلبا في الدنيا على أسلوب النعيم في الآخرة، ولكنه ترك للناس أن يعذبوا أنفسهم هنا على نحو مما هنالك، فكلما طفئت لهم نار أوقدوا غيرها يحترقون فيها ليذوقوا العذاب لا ليموتوا!
إن لنار الآخرة سبعة أبواب، وكأن كل باب منها ألقى جمرة على الأرض، فباب ألقى الوهم، وآخر قذف الخوف، وثالث رمى بالطمع، والرابع بالحرص، والخامس بالألم، والسادس بالبغض، أما السابع فرمى بالشر الذي يجمع هذه الستة كلها، وهو الحب!
النار في الآخرة، ولكن أرواحها في الناس لتسوق أرواح الناس إليها!
صفحة غير معروفة