الكون والفساد من كتاب الشفاء

ابن سينا ت. 428 هجري
97

الكون والفساد من كتاب الشفاء

تصانيف

فبين أن نحو هذه الأفعال لا تؤخذ فى حد هذه القوى، ولا فى تعريفاتها التى تناسب الحدود؛ بل إنما تنسب القوى فى حدودها إلى أفعال وانفعالات تصدر عنها يكون تفهمها ليس دائرا على تفهم الحدود. فإن الحار والبارد تصدر عنهما أفعال ليست نفس التسخين والتبريد، ولا دائرا عليهما. وتلك الأفعال مشهورة. والرطب واليابس ليسا كذلك ألبتة البتة ، ولا يتصور الرطب إلا من جهة سهولة قبول الشكل، وسهولة الاتصال، وسهولة تركهما. واليابس من جهة عسر قبول الأمرين وعسر الترك لهما. وهذه الأحوال منسوبة إلى الانفعال. فإن أريد أن يعرف الفعل الذى لكل واحد منهما، على حسب التضاد، أو الانفعال الذى على حسب ذلك إن سلم ذلك، لم يكن تعريفا حقيقيا به.

وأما الحار والبارد فإن عرفا بالانفعال المذكور، الذى يجرى بينهما، لم يكن تعريفا حقيقيا؛ بل يجب أن يكون تعريفهما على النحو الذى قيل فى الحار والبارد؛ يقال لهما كيفيتان فاعلتان ليس بالقياس إلى كل شىء؛ ولكن بالقياس إلى هذه الأجسام المركبة المشاهدة. فإنها تفعل فيها أفعالا ظاهرة مما قيل، ولا تنفعل انفعالا إلا عن الضد. وإذا قيل للرطب واليابس انفعاليان فليس بالقياس إلى كل شىء؛ بل القياس إلى هذه الأجسام المشاهدة. فإنها لا تفعل فيها إلا ما ينسب إلى الفعل والانفعال التضادى، ولا تفعل فيها شيئا آخر؛ بل تنفعل منها بسهولة أو عسر.

وبعد هذا، فالذى يجب أن يعتمد فى هذا شىء آخر، وهو أن قولنا كيفية انفعالية يعنى بذلك الكيفية التى بها يكون الجوهر مستعدا لانفعال ما، إما على سهولة أو على صعوبة. ونعنى بقولنا كيفية غير انفعالية ما ليس بها يكون هذا الاستعداد. ونعنى بالفعلية الكيفية التى بها يفعل فى المستعد فعلا ما.

صفحة ١٧٣