ولا يبعد أن يكون له أن يقول: يشبه أن يكون الرطب من اليابس من ذلك القبيل. فإنا لم نشاهد رطبا رطب اليابس، أو يابسا يبس الرطب بالإحالة دون المخالطة؛ أما الرطب فبلا، وأما اليابس فنشفا، وأما الحار والبارد فيفعل أحدهما فى الآخر بالإحالة، من غير أن يتغير الجوهر فى نوعه أصلا، كما قد صححنا من إحالة الحار للبارد أنه ليس كله على سبيل نفوذ ومخالطة. فيشبه أن يكون، على قول هذا القائل، أن تكون استحالة الأجسام البسيطة فى الرطوبة واليبوسة تابعة لاستحالة أخرى، أو لكون وفساد. ولا يكون للرطب أن يحيل إلى اليبوسة من غير فساد الجوهر، أو من غير استحالة تتقدمها، ولا لليابس أن يحيل إلى الرطوبة من غير فساد أو استحالة، كما للحار أن يحيل البارد، وللبارد أن يحيل الحار، وغير ذلك. فإن الماء إذا صار أرضا لم يكن ذلك لاستحالة أولية فى رطوبة أو يبوسة؛ بل لاستحالة الصورة الجوهرية التى تتبعها الكيفيات على ما بيناه. فيكون لما استحالت الصورة الجوهرية استحال ما يتبعها، بأن فاض عن الصورة الجوهرية الحادثة ضد كل ما كان فاض عن الصورة الجوهرية الفاسدة، كما أن الهواء إذا استحال ماء، فترل، لم تكن الحركة المتسفلة حادثة عن ضد الحركة المتصعدة الأولى؛ بل عن الصورة المعاندة للصورة الموجبة للتصعد.
وأما الماء إذا جمد، ويبس، فليس ذلك له عن يبوسة فعلت فى رطوبة؛ بل عن البرد. فيكون البرد هو الذى أوجب اليبس. ويكون الحر بإزائه هو الذى يوجب الترطيب والتسييل. فتكون هاتان الكيفيتان منفعلتين عن الحر والبرد، ولا تنفعل إحداهما عن الأخرى انفعالا أوليا، والحر والبرد ينفعل أحدهما عن الآخر انفعالا أوليا. فهذا قول، إن أراد مريد أن يدفع الشك به، عسرت مقاومته.
صفحة ١٧١