الكون والفساد من كتاب الشفاء

ابن سينا ت. 428 هجري
94

الكون والفساد من كتاب الشفاء

تصانيف

قوامه. ثم إن النار ستفرق ذلك عن قريب، يعرف ذلك أصحاب حل التقطير. وأما الذهب فإنه ليس لا يفرقه النار إذا أذابته، لأنه متشابه الجوهر، ولا لأنه متشابه الانفعال، ولا لأن النار من شأنها أن لا تفرق المركبات، ولكن لأن الامتزاج فى جوهر الذهب والتلازم بين بسائطه شديدان جدا، فكلما مال شىء منه إلى التصعد حبسه المائل إلى التحدر، فيحدث من ذلك حركة دوران وغليان، فتكون النار قد أوجبت تأثيرا مختلفا. لكن هناك عائق آخر، والأمور التى تنسب إلى القوى والكيفيات الطبيعية، وخصوصا العنصرية، تنسب إليها بشرط ألا يكون عائق. فإن الخفة إنما يقال لها إنها تصعد بشرط ألا يكون عائق، والثقل كذلك إنما يقال له ينرل بشرط أن لا يكون عائق ومانع. فكذلك المأخوذ فى حد النار من تفريق كذا، وجمع كذا.

وأما ما قيل فى حديث الفعل والانفعال فلعمرى إن الاعتبار إذا توجه نحو الأضداد كانت متفاعلة، وكانت نسبة الحر إلى البرد فى الفعل والانفعال قريبة من نسبة الرطب إلى اليابس فى الفعل والانفعال، وإن كان لقائل أن يقول: ليس يجب أن تكون الأضداد كلها متفاعلة؛ بل من الأضداد ما يتبع أضدادا أخرى، مثل الأبيض والأسود. فإن اللون الأبيض لا يحيل الأسود إلى البياض، ولا بالعكس؛ بل بالمخالطة، فتكون استحالتهما تابعة لاستحالة الحال فى أضداد قبلها.

صفحة ١٧٠