هل يتردد فيه ذلك النداء الذي لم يمل الفيلسوف من ترديده لعلنا نستمع إليه، فننفتح على نور الوجود، ونؤسس وجودنا الأصيل عليه؟ وهل نطق هلدرلين بلغة هذا الوجود وفكر فيه وجعله مسكن الشعر ومسكنه؟
إن الشاعر يحيا في زمن المحنة، وهو لهذا يسأل:
لست أدري ماذا أفعل وأقول،
ولم الشعراء في الزمن الضنين؟
ولماذا صار الزمن هو زمن المحنة، وحل الظلام والشقاء على الأرض والإنسان؟ لأن السماويين كما يسميهم أو الآلهة المباركين قد ارتحلوا عنه، وما عادوا يحفلون به، فاغتربت الأرض واغترب الإنسان عنها وعن نفسه. ومتى ترتفع هذه المحنة وتزول الغربة؟ عندما يسطع نور وجودهم الحق، ويستمع الإنسان إلى صوتهم. وأين يتجلى هذا النور ومن ينطق بكلمتهم؟
يتجلى في أغنية الشاعر، الشاعر الرائي والملهم؛ لأن أغنيته هي شعر الوجود الحق، ولأن الوجود يسكن سكنا شعريا في قلبه وكلمته التي يبلغها لإخوته من البشر. لنستمع إلى هذه الأبيات من المقطع السابع من قصيدته الكبرى «خبز ونبيذ»:
لكننا يا صديق قد أتينا جد متأخرين ...
صحيح أن الآلهة حية،
لكنها تحيا فوق رءوسنا هنالك في عالم مختلف.
هنالك يكون فعلهم بغير حدود،
صفحة غير معروفة