(وقوله فاعلم) أي فأقول أن العلم إلخ، فالفاء زائدة لتوهم أما أن قلنا أن الواو في وبعد عاطفة وجواب لأما إن قلنا أن الواو نائبة عنها والعلم إدراك الشيء على ما هو عليه، ويطلق على الملكة وهي ا لكيفية الحاصلة في النفس من ممارسة القواعد، ويطلق على نفس القواعد وهو حقيقة في الإدراك ومجاز مشهور في الآخرين، أو حقيقة عرفية فيهما، وفن الفقه هو النوع المخصوص من العلوم وسيأتي تعريفه، وفي إضافة الفن إلى الفقه إضافة المسمى إلى اسمه، لأن الفقه اسم للفن المخصوص بما سيأتي ومندرج، أي منطو، وأصول الفقه علم على هذا الفن وسيأتي تعريفه أيضا، والمراد باندراج الفقه تحته هو: أن معرفة الفقه متوقفة على معرفة أصول الفقه فلا يتوصل أحد إلى معرفة الففه حتى يكون عارفا بأصول الفقه، ولذا قال صاحب الإيضاح رحمه ا لله تعالى: من لم يتحكم على الأصول قلما تتحصل عنده الفصول، وقال بعضهم: إنما منعهم من الوصول تضييع الأصول، فلما بطلوا تعطلوا، فإن قيل أن أصول الفقه إنما وضع في القرن الثالث وهو زمان تابعي التابعين، فالصدر الأول من الصحابة والتابعين كانوا أفقه ممن بعدهم فأين ذلك التوقف، (قلنا) إن الذي وضع في القرن الثالث إنما هو اصطلاحات الفن، فإنه كان معلوما للصحابة ومن بعدهم، فهم يقدمون الخاص على العام ويريدون المتشابه إلى المحكم وهكذا، وهذه الكيفية هي نفس أصول الفقه فاندف الإشكال، (نعم) وعلى طريقة الصدر الأول من الصحابة والتابعين قد جرى جل سلفنا من أهل عمان، فتراهم يحكمون بالخاص في موضع الخصوص وبالعام في موضع العموم وبالمطلق في موضع الإطلاق وبالمقيد في موضع التقييد، وهكذا من غير أن يذكروا نفس العبارات التي اصطلح عليها أهل الفن وربما ذكرها بعضهم كابن بركة، لكن لما كان الذكاء القوي والفطنة الواقدة للذين توصلوا بهما إلى وضع الأشياء في مواضعها معدومين في أهل زمانا تعذر عليهم الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها إلا بعد معرفة اصطلاحات الفن وممارسته وقواعده وضبط علله وقوادحه إجمالا وتفصيلا، وقد رغب عن ذلك كثير من أهل زماننا لجهلهم بما فيه من التحقيق وصعوبة ما فيه من التدقيق، فقصارى متفقهم حفظ أقوال الفقهاء وغاية نباهة أحدهم رواية ما قاله النبهاء، لا يدرون غث الأقوال من ثمينها ولا خفيفها من رزينها، قد حسبوا في التقليد المضيق عن فضاء التحقيق وليتهم لما وقعوا هنالك، عرفوا منزلتهم بذلك ولم يدع أحدهم منزلة ابن عباس ويقول: هلموا أيها الناس فإنا لله وإنا إليه راجعون ذهب العلم وأهلوه وبقي الجهل وبنوه.
لأنه قواعد منضبطة ... بها معاني أصله مرتبطة.
صفحة ١٤