قاله المعترض: فأعطني في هذا الكوز ماء من ماء كآبتك العذب، قال أبو تمام: خذ هذا المقراض، واقصص لي ريشتين من جناح الذل تنبيها للمعترض على أنه إذا حسن في القرآن ففي الشعر أولى، وأيضا فلا يخلو منكر المجاز في القرآن من أحد أمرين:
إما أن يقول: هذه الألفاظ التي وقعت مجازا في القرآن، هي حقيقة في اللغة العربية، فيجاب بما مر عن أبي الحسين من أن العرب: لا يستعملون مثل هذه الألفاظ في مثل تلك المعاني إلا على جهة التجوز، والتوسع في الاستعمال مع نصب القرينة على المراد، وليس هو كاستعمالهم الحقيقة في موضوعها.
وأما أن يقول: إن هذه الألفاظ في هذه المعاني حقيقة شرعية فيجاب بأنه لو كانت حقيقة شرعية لسبق إلى أذهان أهل الشرع معانيها المذكورة كما سبق إلى أذهانهم من لفظ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، معانيها الشرعية، والحال أن هذه الألفاظ التي وقعت في القرآن لا يدرك فهمها إلا بالقرينة والله أعلم.
ثم إنه أخذ في بيان علامات المجاز فقال:
يعرف بالنقل وإن لا يطرد ... وفهمه بعد القرينة يرد
فما إلى الذهن من المعنى سبق ... فهو حقيقة به اللفظ أحق
وبالتزام قيده للفصل ... بعكسها مثل جناح الذل
وبتوقف على سواء ... لكونه في لفظه ضاهاه
مثاله تسمية الجزاء ... بالمكر، والجهاد، باعتداء
للمجاز علامات يعرف بها أحدها: نقل أئمة اللغة له بأن يقولوا: أن لفظ الأسد مثلا مجاز في الرجل الشجاع، وإن الخمر مجاز في العصير، وإن العين مجاز في الجاسوس، ونحو ذلك.
صفحة ٢٠٧