شرح المقاصد في علم الكلام
الناشر
دار المعارف النعمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1401هـ - 1981م
مكان النشر
باكستان
تصانيف
الثاني لو لم يكن الخلاء بل لو لم يوجد لامتنع حركة الجسم من مكان إلى مكان لأنه إذا انتقل إلى مكان فالجسم الشاغل لذلك المكان إما أن ينعدم ويحدث جسم آخر يشغل المكان المنتقل عنه وهذا باطل باعترافكم بل بشهادة العقل في كثير من المواضع كحركة عصامير الدولاب كل إلى حيز آخر وإما أن لا ينعدم وحينئذ إما أن يستقر في مكانه أو ينتقل عنه فإن استقر فإما أن يبقى على مقداره فيلزم تداخل البعدين الماديين واجتماع الجسمين في حيز واحد وهذا باطل اتفاقا وضرورة وإما أن لا يبقى بل يتكاثف أي يصغر مقداره بحيث يحصل للجسم المتحرك حيز يسعه وذلك إما بكون الجسم ذا مادة يقبل المقادير المتفاوتة في الصغر والكبر وذلك قول بالهيولي ويستقيم الدلالة على بطلانها أو بكونه ذا أجزاء بينها فرج خلاء قد تقاربت تلك الأجزاء بحيث حصل خلاء يسع الجسم للتحرك فيلزم الخلف لتحقق الخلاء على تقدير عدمه هذا إن استقر الجسم الشاغل للمكان الثاني في مكانه وإن انتقل عنه فإما إلى المكان الأول فيلزم الدور لتوقف انتقال كل إلى مكان الآخر على انتقال الآخر عن مكانه لامتناع الاجتماع وتوقف انتقاله عنه على انتقال الأول إليه لئلا يلزم خلوه وإما إلى مكان آخر فيلزم تصادم الأجسام بأسرها وتعاقب الحركات لا إلى نهاية فيؤول إلى الدور ضرورة تناهي الأجسام وبعض هذه الترديدات تجري في المكان الذي ينتقل عنه الجسم فإنه إما أن يبقى خاليا أو يصير مملوا بانتقال جسم آخر إليه أو يتخلخل ما حوله من الأجسام بطريق ثبوت الهيولي أو فرج الخلاء فتعين أن يكون إمكان الذي ينتقل إليه الجسم إما خلاء محضا وإما مملوا بجسم فيه فرج خلاء يقل ويتقارب الأجزاء فيحصل للجسم المنتقل إليه مكان وتكون حركة السمكة في البحر من هذا القبيل فلا يرد نقضا على ما ذكرنا من الدليل وأجيب بأن دليل إبطال الهيولي لا يتم لما سيأتي بل غاية الأمر القدح في مقدمات إثباتها وهو لا يفيد في معرض الاستدلال ولو سلم فإن أريد بتوقف انتقال كل من الجسمين إلى مكان الآخر على انتقال الآخر إلى مكانه امتناع كل منهما بدون الآخر كما في المتضايفين فلانم استحالته لجواز أن لا يكون بصفة التقدم بل المعية كما في عصامير الدولاب فإن انتقال كل منها إلى حيز السابق يتوقف على انتقال اللاحق إلى حيز لئلا يلزم الخلاء بل التفكك وانتقال اللاحق إلى حيزه يتوقف على انتقاله إلى حيز السابق لئلا يلزم اجتماع جسمين في حيز وهذا هو المعنى بدور المعية وإن أريد التوقف بمعنى احتياج كل إلى الآخر احتياج المسبوق إلى السابق حتى يكون دور تقدم فلانم لزومه وما ذكرتم لا يفيد ذلك وربما يمنع ابتناء التخلخل والتكاثف على تحقق الهيولي أو فرج الخلاء الثالث أنه لو لم يوجد الخلاء لكان كل سطح ملاقيا لسطح آخر لا إلى نهاية لأن معنى تحقق الخلاء كون الجسم بحيث لا يماسه جسم آخر واللازم باطل لما سيجيء من تناهي الأجسام وأجيب بمنع اللزوم بل تنتهي الأجسام إلى سطح لا يكون فوقه شيء والعدم الصرف ليس فراغا يمكن أن يشغله شاغل على ما هو المراد بالخلاء المتنازع فيه الرابع أنا نشاهد أمورا تدل على تحقق الخلاء قطعا منها أن القارورة إذا مصت جدا بحيث خرج ما فيها من الهواء ثم كبت على الماء تصاعد إليها الماء ولو لم تصر خالية بل كان فيها ملاء لما دخلها الماء كما قبل المص ومنها أن الزق إذا ألصق أحد جانبيه بالآخر بحيث لا يبقى بينهما هواء وشد رأسه وجميع مسامه بالقار بحيث لا يدخله الهواء من خارج فإذا رفعنا أحد جانبيه عن الآخر حصل فيه الخلاء ومنها أن لزق إذا بولغ في تمديده وتسديد مسامه ثم نفخ فيه بقدر الإمكان فإذا فرز فيه مسلة بل مسلات فإنها تدخله بسهولة ولو لم يكن فيه خلاء لما دخلته لامتناع التداخل ومنها أن ملاء الدن من الشراب إذا جعل في زق ثم جعلا في ذلك الدن فإنه يسعهما ولو لم يكن في الشراب فرج خلاء بقدر الزق لما أمكن ذلك وأجيب بأن شيئا مما ذكر لا يستلزم تحقق الخلاء لجواز أن يتخلخل قليل هواء يبقى في القارورة ثم يعود إلى مقداره الطبيعي عند ترك المص فيتصاعد الماء ضرورة امتناع الخلاء وكذا يجوز أن يبقى بين جانبي الزق قليل هواء يتخلخل عند الارتفاع أو أن ينفذ الهواء في المسام وإن بولغ في تسديدها وكذا الزق المنفوخ تدخله المسلة بتكاثف ما فيه من الهواء أو لخروج بعضه من المسام وأما شراب الدن فيجوز أن يتكاثف أو يتبخر ويتخلخل منه بالإعصار شيء يسير على مقدار الزق ( قال حجة الامتناع ) احتج القائلون بامتناع الخلاء أي كون الجسمين بحيث لا يتماسان ولا يكون بينهما جسم يماسهما بل فراغ يمكن أن يشغله شاغل موجودا كان أو معدوما لوجوه
الأول أنه لو تحقق الخلاء لزم أن يكون زمان الحركة مع المعاوق مساويا لزمان تلك الحركة بدون المعاوق واللازم ظاهر البطلان بيان اللزوم أنا نفرض حركة جسم في فرسخ من الخلاء ولا محالة تكون في زمان ولنفرضه ساعة ثم نفرض حركة ذلك الجسم بتلك القوة بعينها في فرسخ من الملاء ولا محالة تكون في زمان أكثر لوجود المعاوق ولنفرضه ساعتين ثم نفرض حركته بتلك القوة في ملاء أرق قواما من الملاء الأول على نسبة زمان حركة الخلاء إلى زمان حركة الملاء الأول أي يكون قوامه نصف قوام الأول فيلزم أن يكون زمان الحركة في الملاء الأرق ساعة ضرورة أنه إذا اتحدت المسافة والمتحرك والقوة المحركة لم تكن السرعة والبطاء أعني قلة الزمان وكثرته إلا بحسب قلة المعاوق وكثرته فيلزم تساوي زمان حركة ذي المعاوق أعني التي في الملاء الأرق وزمان حركة عديم المعاوق أعني التي في الخلاء وأعترض أولا بمنع إمكان قوام تكون على نسبة زمان الخلاء إلى زمان الملاء وإنما يتم لو لم ينته القوام إلى مالا قوام أرق منه وهو ممنوع
وثانيا بمنع انقسام المعاوقة بانقسام القوام بحيث يكون جزء المعاوق معلوقا وإنما يتم لو ثبت أن المعاوقة قوة سارية في الجسم منقسمة بانقسامه غير متوقفة على قدر من القوام بحيث لا يوجد بدونه
وثالثا بمنع امتناع أن ينتهي المعاوق من الضعف إلى حيث يساوي وجوده عدمه
صفحة ١٩٨