وضعيان يختلف في الأولى منهما الدال بأن يعين طائفة لفظا كالسماء وطائفة أخرى لفظا آخر كما في الفارسية وغيرها لا المدلول لأن الصورة الذهنية لا تختلف باختلاف اللغات وتختلف في الثانية أعني دلالة الخط على اللفظ الدال والمدلول جميعا واختلاف الدال لا يختص بحالة اختلاف المدلول بل قد يكون مع اتحاده كلفظ السماء يكتب بصور مختلفة بحسب اختلاف الاصطلاحات في الكتابة فإن قيل معنى الدلالة كون الشيء بحيث يفهم منه شيء آخر فإذا اعتبرت فيما بين الصور الذهنية والأعيان الخارجية ولا معنى لفهمها والعلم بها سوى حصول صورها كان بمنزلة أن يقال يحصل من حصول الصور حصول الصور قلنا المراد أنه إذا أحكم على الأشياء كان الحاصل في الذهن هو الصور ويحصل منها الحكم على الأعيان الخارجية فإنا إذا قلنا العالم حادث فالحاصل في الذهن صورة العالم وصورة الحدوث وقد حصل منها العلم بثبوت الحدوث للعالم الموجود في الخارج فإن قيل نحن قاطعون بأن الواضع إنما عين الألفاظ بإزاء ما نعقله من الأعيان وللدلالة عليها ولهذا يقول بالوضع والدلالة من لا يقول بالصور الذهنية نعم إذا لم يكن للمعقول وجود في الخارج كان المدلول هو نفس الصورة عند من يقول بها كالمعدوم والمستحيل قلنا مبنى هذا الكلام على إثبات الصور الذهنية فإنه مما يكاد يفضي به بديهة العقل ولما كان عند سماع اللفظ ترتسم الصورة في النفس فيعلم ثبوت الحكم لما في الخارج جعلوا الخارج مدلول الصورة والصورة مدلول اللفظ وأما كون مدلول الخط هو اللفظ فظاهر والحكمة فيه قلة المؤنة حيث اكتفي بحفظ صور متعددة تترتب بترتب الحروف في الألفاظ من غير احتياج إلى أن يحفظ لكل معنى صورة مخصوصة (قال ويستدل) كون العلم سيما العلم بمالا تحقق له في الأعيان مقتضيا لثبوت أمر في الذهن ظاهر يجري مجرى الضروريات فمن ههنا زعم بعضهم أن إنكار الوجود الذهني إنكار للأمر الضروري واستدل المثبتون بوجوه الأول أنا نحكم حكما إيجابيا على مالا تحقق له في الخارج أصلا كقولنا اجتماع النقيضين مستلزم لكل منهما ومغير لاجتماع الضدين ونحو ذلك ومعنى الإيجاب الحكم بثبوت أمر لأمر وثبوت الشيء لما لا ثبوت له في نفسه بديهي الاستحالة فيلزم ثبوت الممتنعات لتصح هذه الأحكام وإذ ليس في الخارج نفي الذهن وتقرير آخر أن من الموجبات مالا تحقق لموضوعه في الخارج والموجبة تستدعي وجود الموضوع في الجملة فيكون في الذهن وما يقال أنا نحكم على الممتنعات بأحكام ثبوتية فمعناه أحكام إيجابية فلا يرد عليه أنه إن أريد الثبوت في الخارج فمحال أو في الذهن فمصاردة على أنه يجوز أن يقال المراد الثبوت في الجملة وكونه منحصرا في الخارجي والذهني لا يستلزم
صفحة ٧٧