فقلنا لهم تلكم إذًا بعد كرةٍ ... تغادر صرعى نوءها متخاذل
يقول: أجبناهم وقلنا تلكم، " أي تلك " التخييرة وذلك التحكم. ولا يجوز أن تكون الإشارة بتلكم إلى واحدة من هاتين الخصلتين اللتين تقدم ذكرهما، لأنه لا اختيار فيهما لمختارٍ حكمه حكم هؤلاء، إلا أن يكون الكلام على طريق التهكم والسخرية. والمعنى إنما يكون ذلك بعد عطفةٍ وجلوٍ تترك بيننا قومًا مصروعين يخذلهم النهوض ولا يطيقون الحراك. وإذًا، هو جوابٌ وجزاءٌ، وهو ملغىً هاهنا. وكم من تلكم للخطاب لا للضمير، فلا موضع له من الإعراب. واختار أن يقول " متخاذل " لأن هذا النباء يختص بما يحدث شيئًا بعد شيء. على ذلك قولهم تداعى البناء كأن أجزاء النمهوض يخذل بعضها بعضًا فلا يكمل، وكأنه أنكر عليهم الاشترط والتحكم والإلجاء منهم إلى ذلك، فقال: يسوغ متا ابتدأتم فيه لكم بعد جولةٍ يتعقبها هذا الأمر. ويجوز أن يكون الحكم والتخيير بقوله " ثنتان لا بد منها " وقع بين الحرب والاستئسار، لا القتل والاستئصال، فاختاروا المحاربة. والإشارة بقوله تلكم حينئذ يجوز أن تكون على ما قدمته، ويجوز أنم تكون إلى ما دل عليه قوله أو سلاسل، من الأسر فكأنه قال: الخصلة الثانية نؤخرها وننظر في الأولى ماذا ينتتج منها. وقوله " تغادرصفةٌ للكرة، وقوله " نوءها " الضمير يعود إلى صرعى، والجمع مآله إلى التأنيث، ولو قال نوءهم لكان أحسن. والنوء: النهوض، وهو أصل المناوأة، وإن اشتهرت في المعاداة. ويكون النوء: السقوط أيضًا. ويشبه هذا قول الآخر:
ينوء بصدره والرمح فيه
ولم ندر إن جضنا من الموت جيضةً ... كم العمر باقٍ والمدى متطاول
جاض عن قرنه وحاص بمعنىً، أي عدل وانحرف. والعمر والعمر لغتان: الحياة والبقاء. ومنه قولهم: لعمر الله، وعمرك الله. إلا أنه في اليمين لا يستعمل إلا بفتح العين. وقوله " كم العمر " في موضع الظرف، والمعنى كم يومًا أو وقتًا العمر باقٍ. وارتفع العمر بالابتداء. والواو في وقته " والمدى متطاول " واو الحال، أي كم العمر باقٍ ومداه متطاول. ولم يأت بالضمير لأن الواو أغنى عنه، والمعنى لم نعلم إن عدلنا عن الحرب عدلةً كم بقي من أعمارنا، وغايات العمر ممتدة مبهمة حتى لا ينتهي أحدٌ منها إلى حد إلا وكما يرجو أن يتصل بعده أيضًا لا يأمن أن ينقطع، فكأنه قال: إذا كان الحال في الأعمار على هذا أبدًا فلا معنى للعدول عن الحرب، إذ لا
1 / 38