شرح العقيدة الطحاوية

ابن أبي العز ت. 792 هجري
85

شرح العقيدة الطحاوية

محقق

أحمد شاكر

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

والأوقاف والدعوة والإرشاد

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، مِنَ الْقَائِلِينَ بِحَوَادِثَ لَا آخِرَ لَهَا - فَأَظْهَرُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا، وَالْفِعْلُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لِمَا يُرِيدُ، كَمَا وَصَفَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ، حَيْثُ يَقُولُ: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ (١). وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَاقَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِهَذَا الْكَمَالِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (٢) وَلما كَانَ مِنْ أَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، لَمْ يَكُنْ حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَعَلَهُ، فَإِنَّ"مَا"مَوْصُولَةٌ عَامَّةٌ، أَيْ: يَفْعَلُ كُلَّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهَذَا فِي إِرَادَتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِفِعْلِهِ. وَأَمَّا إِرَادَتُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ فَتِلْكَ لَهَا شَأْنٌ آخَرُ: فَإِنْ أَرَادَ فِعْلَ الْعَبْدِ وَلَمْ يُرِدْ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَمْ يُوجَدِ الْفِعْلُ، وَإِنْ أَرَادَهُ حَتَّى يُرِيدَ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا (٣) وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ، وَخَبَّطُوا فِي مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ، لِغَفْلَتِهِمْ عَنْهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ إِرَادَتِهِ أَنْ يَفْعَلَ الْعَبْدُ وَإِرَادَةِ أَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ: أَنَّ فِعْلَهُ وَإِرَادَتَهُ مُتَلَازِمَانِ، فَمَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَ، وَمَا فَعَلَهُ فَقَدْ أَرَادَهُ. بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ"فَإِنَّهُ يُرِيدُ مَا لَا يَفْعَلُ، وَقَدْ يَفْعَلُ مَا لَا يُرِيدُهُ. فَمَا ثَمَّ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ.

(١) سورة الْبُرُوجِ الآيتان: ١٥ - ١٦. (٢) سورة النَّحْلِ آية: ١٧. (٣) في الكلام هنا نقص ظاهر. ولعل أصله: «وَإِنْ أَرَادَهُ حَتَّى يُرِيدَ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ (يعينه عليه و) يجعله فاعلا، (وجد الفعل)».

1 / 88