شرح العقيدة الطحاوية

ابن أبي العز ت. 792 هجري
84

شرح العقيدة الطحاوية

محقق

أحمد شاكر

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

والأوقاف والدعوة والإرشاد

مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، أَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ - تَعَالَى - لَمْ يَزَلْ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَ، فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ، بَلْ كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو الْمَعَالِي فِي إِرْشَادِهِ وَغَيْرُهُ مِنَ النُّظَّارِ عَلَى التَّسَلْسُلِ فِي الْمَاضِي، فَقَالُوا: إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ: لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا إِلَّا أُعْطِيكَ بَعْدَهُ دِرْهَمًا، كَانَ هَذَا مُمْكِنًا، وَلَوْ قُلْتَ: لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا. وَهَذَا التَّمْثِيلُ وَالْمُوَازَنَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، بَلِ الْمُوَازَنَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ تَقُولَ: مَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، فَتَجْعَلُ مَاضِيًا قَبْلَ مَاضٍ، كَمَا جَعَلْتَ هُنَاكَ مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ مُسْتَقْبَلٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ، فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى يَحْصُلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ قَبْلَهُ (١). فَقَدْ نَفَى الْمُسْتَقْبَلَ حَتَّى يُوجَدَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. أَمَّا نَفْيُ (٢) الْمَاضِي حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ مَاضٍ، فَإِنَّ هَذَا مُمْكِنٌ. وَالْعَطَاءُ الْمُسْتَقْبَلُ إيْتَاؤُهُ مِنَ الْمُعْطِي والْمُسْتَقْبل الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ لَا يَكُونُ قَبْلَهُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَإِنَّ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِيمَا يَتَنَاهَى مُمْتَنِعٌ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ"الْخَالِق"، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ"الْبَارِي"). ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ﵀ أَنَّهُ يَمْنَعُ تَسَلْسُلَ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي، وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تَبِيدَانِ"، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَهْمُ وَأَتْبَاعُهُ، وَقَالَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لِمَا يَأْتِي مِنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(١) في المطبوعة «قبلي». وهو خطأ. (٢) في المطبوعة «لم ينف» بدل «أما نفي» وهو خطأ، لا يصلح في سياق الكلام.

1 / 87