قال أبو هاشم : إن الجسم الأسود لو خالف غيره لمافيه من السواد، وفي غيره من البياض، لوجب إذا صار هو أبيض بعد كونه أسود أن يخالف نفسه، ولو وجب إذا اتفقا في اللون واختلفا في الطعم أن يكونا متفقين مختلفين وذلك فاسد.
والذي قاله عليه السلام أشهر في المشاهدة، وأبين لمن ترك طريق المعاندة.
وقوله: (المجتلبة إلى أنفسها المنافع، النافرة عن المضار): يعني الحيوانات، وظهور الإحداث هو عجيب الصنعة في الحيوان، ومايطرأ عليه وعلى الجماد من الزيادة والنقصان، وهل ينظر الناظر إلى الشيء وهو عالم به أو جاهل له، وإنما يولد له النظر العلم بأحوال المنظور ونفي الجهل به، وبصانعه القدير، ولابد أن يكون المكلف عالما بما كلف على جملة أو تفصيل، ليميزه الله عن غيره، وإلا لم يحسن تكليفه، فصار تعريفه بما كلف بمنزلة الإقدار عليه، والتمكين منه، في أنه لابد منه، وإلا قبح التكليف، ولا يخلو من وجهين: إما أن يضطره أو يدله عليه، فلابد من حصول أحد الوجهين أو كليهما في كل ما نراه حسنا، وقد علمنا باضطرار أن الظلم قبيح، وكلفنا بالامتناع منه، وأن شكر النعمة واجب، ورد الوديعة كمثل ، وكلفنا الإقدام عليها، وعرفنا مالنا من الفضل بالأخبار، فدلنا على فعله.
فأما ما عرفناه بالاستدلال مما يتعلق بفعل ما كلفناه بتفصيل كثير مما ذكرنا جملته، وسائر الشرائع، وما يعلم قبحه وحسنه ووجوبه من جهة العقل والشرع وتفصيل ذلك يكثر، وما أوردناه من الجملة يكفي فيه محصول الأدلة والبيان، مما يمكن المكلف عند التفكر فيه أن يتوصل به إلى المعرفة بما دخل تحتها التكليف.
صفحة ٢٧