ولقد بلغنا أنه خرج هو وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم إلى السوق ليشتري قميصا ومعه اثني عشر درهما، فإذا هما بجارية سوداء على ظهر الطريق تبكي، فقال لها مايبكيك؟ فقالت: يارسول الله أعطاني أهلي أربعة دراهم اشتري بها حاجة ، فسقطت مني، فأخاف أن يضربوني، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة دراهم، ومضى إلى السوق وابتاع قميصا بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله تعالى ثم انصرف، حتى إذا كان في بعض الطريق، فإذا سائلا يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة. قال: فخلع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القميص.
ثم رجع إلى السوق، فابتاع بأربعة دراهم الباقية قميصا فلبسه وحمد الله تعالى، وانصرف، فإذا السوداء قائمة تبكي، فقال لها: مالك أليس قد أعطيتك أربعة دراهم؟ فقالت: بلى يارسول الله، ولكني احتبست عن أهلي، فأخاف أن يضربوني. فقال: مري، ومضى معها حتى انتهى إلى أهلها، فلما قام على الباب قال: « السلام عليكم ». فلم يردوا شيئا، وكان لاينصرف حتى يؤذن ثلاث مرات ، فلما كان في الثالثة أجابوه، فقال: « فمامنعكم أن تردوا علي، وقد عرفتم الصوت؟ » فقالوا: أحببنا أن نستكثر من سلامك. فقال لهم: هذه الجارية. فقالوا له: هي حرة لممشاك، فانصرف صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: « تالله ما رأيت كاليوم، اثنا عشر درهما، كسى الله بها عاريا، وأعتق بها نسمة ».
(وفيما بين أزمنة الرسل فترات في مثلها يتحير الضلال، ويدفن الحق، ويغمض البرهان، بتظافر الجبارين على أولياء الله وأهل طاعته).
صفحة ٧٨