(وكان في غير أعصارهم)، الأعصار: جمع عصر، وهو وقت من الزمان.
(كانت الحجة عليه في معرفتهم)، معناه: أنه كان الواجب عليه أن يعرفهم من طريق العلم لا من طريق المشاهدة، وأن يقبل ماجاء به لا على جهة التقليد، ويدين الله بما دعوا إليه، والحجة في ذلك: (تواتر الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولايتهيأ بالاتفاق) في مثلها الخبر إذا تواتر من ثقة إلى ثقة، لأنا قد قلنا فيما تقدم أن حكما شرعيا عرف فيه المراد باستدلال شرعي من قياس أو إجماع أو خبر وارد، وكل خبر عرف المراد منه بضرب من الاستدلال قضي بصحته في مسائل الفقه مع النظر ، فأما في الأصول فلايقبل خبر الواحد، ولايوجب العلم، لأن الأصول هي ما شهد لها العقل الذي هو حجة الله تعالى العظمى، ودلالته الكبرى لايحتمل التعارض والنسخ، والتأويل، والصرف من وجه إلى وجه، والاتساع، والمجاز.
وما اقتضاه سهل اللغة من خبر الواحد، وحكم به العقل مع النقل المتواتر صح قبوله والعمل به في الفروع دون الأصول، فهذا الذي ذكره عليه السلام (يمتنع من الكذب ولايتهيأ بالاتفاق)، أي: هذا الخبر الذي لايصح على هذه الصفة، لو اتفق عليه جماعة لم يتهيأ على هذا الشرط الذي شرطناه في تواتر النقل.
(ويكون سامعها مضطرا في فطرته)، كامل العقل ممن لايعرف منه السهو ولا الغلط، ضابطا ورعا عفيفا متدينا ، ينقل الخبر على وجهه عمن سمعه منه، يتحرى الزيادة والنقصان فيه.
(إلى أن ناقليها لايمكن مثلهم الكذب، ولا التواطؤ على مقالة)، يعني من أسند إليه من أخبره به ليصح سنده، ويدخل في نظام المسندين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم >.
صفحة ٥٢