============================================================
رجال شرح الأنفاس الروحانية وأدبه، ودع عنك تشقيقه للكلام ورده على المتكلمين، ثم لما وليت سمعته يقول: جعلك الله صاحب حديث صوفيا لا جعلك صوفيا صاحب حديث.
قال الغزالي: أشار إلى أن من حصل الحديث والعلم ثم تصوف أفلح ممن تصوف قبل العلم وانتهى وكان يقول: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
قال ابن عربي: يقصد أنه نتيجة عن العمل عليهما، وهما الشاهدان العدلان.
وصحب الجنيد من هذه الطائفة أربع طبقات، كل طبقة ثلاثين رجلا، وانتهت إليه الرئاسة.
وكان صائم الدهر لا يفطر إلا إذا دخل عليه إخونه فيأكل معهم وهو ساكت ويقول: ليست المساعدة مع الإخوان بأقل من فضل الصوم.
وأقام عشرين سنة لا ياكل إلا من الأسبوع إلى الأسبوع، وورده كل يوم ثلثمائة ركعة.
وكانت الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه، والفقهاء لتقريره، والفلاسفة لدقة نظره ومعانيه، والمتكلمون لتحقيقه، والصوفية لاشاراته وحقائقه.
ودخل عليه إبليس في صورة نقيب وقال: أريد أن أخدمك بلا أجرة فقال له: افعل، فأقام يخدمه عشر سنين فلم يجد قلبه غافلا عن رئه لحظة واحدة، فطلب الانصراف، وقال له: أنا إبليس، فقال: عرفتك من أول ما دخلت، وانما استخدمتك عقوبة لك، فإنه لا ثواب لأعمالك في الآخرة، فقال: ما رأيت قوتك يا جنيده فقال له: اذهب يا ملعون، أتريد أن تدخل علي الإعجاب بنفسي؟ فخرج خاستا.
وكان إذا طلب أحد من الطريق يقول: اذهب فاخدم الملوك ثم تعال، فإن بداية طريقنا نهاية مقام بعض الملوك.
ومن فوائده وحكمه: لو أقبل على الله آلف سنة ثم أعرض لحظة كان ما فاته أكثر مما وقال: من لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه عن المتأدبين أفسد من اتبعه.
وقال: العراف من نطق عن سرك وأنت ساكت.
وقال: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، بل عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوف.
صفحة ١٧