فلما سمع الملك منه تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دار، لكل واحد من أولئك العلماء دارا، واشترى لكل واحد منهم جارية، وأعتقها، وزوجها منه، وأعطى كل واحد منهم عطاء جزيلا، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب كتابا وختمه بالذهب، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه ، وإن لم يدركه دفعه إلى أولاده، ويوصي لهم بمثل ذلك، وكذلك إلى أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان في الكتاب:
أما بعد، يا محمد- صلى الله عليك- إني آمنت بك، وبكتابك قوله: «إني آمنت بك» :
أخرج أبو نعيم في الدلائل- فيما ذكره السيوطي في الدر المنثور- عن عبد الله بن سلام قال: لم يمت تبع حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لما كان يهود يثرب يخبرونه.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 158- 159] ، ومن طريقه ابن عساكر [11/ 14] بإسناد فيه الواقدي من حديث ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة فبعث إلى أحبار اليهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب، فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة، اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي أنت فيه يكون به من القتلى والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عددهم، قال تبع: ومن يقاتلهم يومئذ وهو نبي كما تزعم؟
قال: يسير إليه قوم فيقتتلون ههنا، قال: فأين قبره؟ قال: بهذه البلد، قال:
فإذا قوتل لمن تكون الدبرة؟ قال: تكون عليه مرة، وله مرة، وبهذا المكان-
صفحة ١٠٠