مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم استعنت بالله وحده وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب جزى الله محمدا عنا ما هو أهله أخبرنا الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الورع الصالح أبو المناقب:
محمد ابن الإمام العالم الفقيه أبي الخير: أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني الحاكمي القزويني أثابه الله وأعانه، - قدم علينا طالبا للحج- بقراءتي عليه بمقصورة الحنفية الشرقية من جامع دمشق حرسها الله في آخرين رحمهم الله في مجالس أولها يوم الأحد ثامن وعشرين من شهر رمضان وآخرها العشرين من شوال سنة سبع وتسعين وخمسمائة، قال: أخبرنا والدي الإمام العالم الفقيه رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع في مدة آخرها شهر الله الأصم رجب سنة اثنتين وستين وخمسمائة في آخرين رحمهم الله، قال: أخبرنا الإمام العالم ناصح السنة أبو القاسم عبد الملك بن معافى التنوخي رحمه الله، قال:
أخبرنا الإمام العالم الأستاذ الفقيه أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري رحمه الله قال: أخبرنا الإمام العالم الفقيه الواعظ أبو سعد: عبد الملك ابن الإمام أبي عثمان محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي قال:
الحمد لله الذي تجلى لقلوب أهل الولاية بأنوار الهداية، وحفظهم بدوام الكلاءة، والحمد لله الحي المعبود الواحد الموجود، والحمد لله
صفحة ٨٥
الحميد المجيد الفعال لما يريد، ذي الفضل العظيم والطول الكريم، ناصر الحق وأهله، وقامع الباطل وحزبه، وجاعل العاقبة للمتقين، والحمد لله الذي أظهر من بدائع آثار سلطانه آيات ألوهيته، والحمد لله الذي أنعم فأجزل، وأعطى فأكثر، والحمد لله الذي خلق فأتقن، وصنع فأحكم، وحكم فعدل، وقال فصدق، ووعد فأنجز، وأنعم فأسبغ، والحمد لله الذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم صفوته، وساق إلى الجنة زمرته، وفرض الإسلام ملته، والكعبة قبلته، وجعل خير الناس أمته، وأنزل عليه صلاته ورحمته وبركته.
فصلى الله على محمد الهادي إلى الجنة ومسالكها، والمحذر من النار ومخاوفها، والمتحنن على أمته، والرؤوف بهم، المبعوث من جبال تهامة، بالأنوار التامة، والحجج الباهرة، والبراهين الزاهرة، والآيات الظاهرة، فصلوات الله على النبي الأمي، والرسول العربي، الهادي قوله: «من بدائع آثار» :
كذا في «ب» ، وفي غيرها: الذي أظهر بدائع آثار سلطانه وآيات ربوبيته.
قوله: «الذي أنعم فأجزل» :
سقط في «ب» من هنا إلى قوله: وصنع فأحكم.
قوله: «والكعبة قبلته» :
وقع في «ب» : وجعل الكعبة قبلته وخير الناس أمته.
قوله: «وأنزل عليه صلاته» :
كذا في «ب» و «م» ، وفي «ظ» : وجعل عليه صلواته ورحمته وبركاته.
قوله: «فصلى الله» :
كذا في «ظ» ، وفي «د» : اللهم صل ...
صفحة ٨٦
المهدي، الطاهر الزكي، النقي الوفي، التقي السمح السخي، الجواد، الأريحي الألمعي، الهاشمي القرشي، المكي المدني، السيد السني، الأبطحي العربي، صفي ربه، وخازن وحيه، ونجي سره، وأليف محبته، وربيب نعمته، وخطيب توحيده، وشمس رسله، وقمر أنبيائه، وسراج دينه، خير من علا المنبر، ولبى وكبر، وسعى ونحر، وطاف وجمر، ومن أعطي الكوثر: محمد بن عبد الله، صلى الله عليه أفضل وأكمل وأجمل، وأعلى وأعظم، وأجل وأطيب، وأظهر وأطهر، وأنمى وأزكى، وأشرف وأتم، وأعم وأكفى، وأكبر وأكثر، وأنفع وأرفع، وأبلغ ما صلى على أحد من خلقه، وعلى الطيبين الطاهرين الأخيار، المنتخبين المباركين الأبرار، وسلم تسليما كثيرا.
قال الأستاذ الفقيه أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان محمد الواعظ رحمه الله: قد حداني إلى جمع شرف المصطفى محمد النبي صلى الله عليه وسلم حبه والأنس بذكره، لأن من أحب شيئا أكثر ذكره، ولأنه صلى الله عليه وسلم حكم:
قوله: «الأبطحي العربي» :
الأبطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى، وقيل: الأبطح أثر المسيل ضيقا كان أو واسعا، والمراد: المكي لشهرة إضافة الأبطح إلى مكة، ووقع في غير نسخة «ب» : الأبطحي الحجازي.
قوله: «رحمه الله» :
كذا في «ظ» ، وفي «ب» : سلمه الله، فكأنها كتبت أو قوبلت في حياته، وفي «م» رضي الله عنه.
قوله: «قد حداني» :
يريد: الذي ساقني وألزمني، وجعلني أقدم عليه؛ إذ أصل الحدو: سوق الإبل، يقال: حدا الإبل وحدا بها إذا ساقها، والحادي: المتعمد للشيء.
صفحة ٨٧
أن المرء مع من أحب، ولكي أكثر الصلاة عليه رسما ونطقا، فإن الدعاء بين الصلاتين لا يرد.
قوله: «أن المرء مع من أحب» :
أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود، وأبي موسى، وأنس بن مالك.
- فأما حديث ابن مسعود، فأخرجه البخاري في الأدب: باب علامة حب الله، رقم 6168، 6169، ومسلم في البر والصلة، رقم 2640 (165) .
- وأما حديث أبي موسى، فأخرجه البخاري في الأدب أيضا: باب علامة الحب في الله، رقم 6170، ومسلم في البر والصلة، رقم 2641.
- وأما حديث أنس بن مالك، فأخرجه البخاري في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب، رقم 3688، وفي الأدب: باب ما جاء في قول الرجل: ويلك، رقم 6167، وفي باب علامة الحب في الله، رقم 6171، وفي الأحكام: باب القضاء والفتيا، رقم 7153، وأخرجه مسلم في البر والصلة، برقم 2639 (161، 162، 163، 164) .
قوله: «ولكي أكثر الصلاة عليه رسما ونطقا» :
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث: ينبغي- يعني لكاتب الحديث- أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره.
قوله: «فإن الدعاء بين الصلاتين لا يرد» :
لأنه لما كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مقبولة من صاحبها؛ يقبلها الرب سبحانه ويضاعف المثوبة عليها كرامة لخليله، ولما كان سبحانه حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا؛ كان سبحانه أجل وأكرم من أن-
صفحة ٨٨
.........
- يقبل من دعائه شيئا ويرد عليه من دعائه شيئا.
وكأن المصنف رحمه الله يشير إلى قول أبي سليمان الداراني رحمه الله ورضي عنه: من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما.
ذكره الشيخ ابن القيم في جلاء الأفهام وقال: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء مثل الفاتحة من الصلاة، وللصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مواطن تشرع فيها أمام الدعاء؛ لأن مفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن مفتاح الصلاة الطهور.
وله ثلاث مراتب: إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمده الله تعالى.
والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره. والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما.
- فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها حديث فضالة بن عبيد وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء.
وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
سل تعطه.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل بعد؛ فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب. -
صفحة ٨٩
.........
- ورواه شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله نحوه.
- وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق: عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوني كقدح الراكب- فذكر الحديث- وقال: اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره.
وفي حديث علي: ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم فإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب الدعاء.
وفي قول عمر رضي الله عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد بن علي بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن بشر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو يستجاب لدعائه» ، وعمرو بن عمرو هذا هو الأحموسي، له عن عبد الله بن بشر حديثان هذا أحدهما، والآخر رواه الطبراني في معجمه الكبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من استفتح أول نهاره بخير وختمه بالخير قال الله عز وجل لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما» . اه.
وسيأتي تخريج هذه الأحاديث في محلها من الكتاب إن شاء الله تعالى.
ولله در القائل:
أدم الصلاة على النبي محمد ... فقبولها حتما بغير تردد
أعمالنا بين القبول وردها ... إلا الصلاة على النبي محمد
صفحة ٩٠
جامع أبواب بشائره صلى الله عليه وسلم من أخبار الأحبار والرهبان والكهنة وما سمع من الهواتف وأجواف الأصنام ومن آمن وصدق به قبل ولادته وبعثته صلى الله عليه وسلم
صفحة ٩١
[1- باب: في شأن من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثه صلى الله عليه وسلم بألف سنة]
1-
باب: في شأن من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثه صلى الله عليه وسلم بألف سنة 1- حدثنا أبو عمر: محمد بن سهل بن هلال البستي رحمه الله بمكة حرسها الله، ثنا أبو الحسن: محمد بن نافع الخزاعي بمكة، (1) - قوله: «البستي» :
بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، بعدها تاء فوقية، من بلاد كابل، بين هراة وغزنة، قال السمعاني: بلدة حسنة، كثيرة الخضر والأنهار والبساتين، وأبو عمر هذا ممن أكثر عنه المصنف وعول عليه كثيرا في تاريخ مكة، وهو من شرط الفاسي في عقده الثمين، لكني لم أقف عليه عنده، ولا رأيته في أنساب السمعاني، ولا وجدته في غيرهما مما لدي من المصادر.
قوله: «محمد بن نافع الخزاعي» :
ابن أخي إسحاق بن أحمد الآتي، روى عن عمه تاريخ الأزرقي، قال التقي الفاسي في تاريخ مكة: له عليه حاشيتان يتعلقان بدار الندوة، وزيادة باب إبراهيم، رواه عنه الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس، قال: وله تآليف في فضائل الكعبة، وكان حيا سنة خمسين وثلاثمائة. اه. وتعرض لذكره ياقوت في معجم البلدان أثناء ترجمته لأبي عثمان بن محمد البلدي- في مادة: البلدة- وقال: لقي أبا بكر محمد بن الحسين الآجري وقرأ عليه جملة من تآليفه، ولقي أبا الحسن محمد بن نافع الخزاعي وقرأ عليه فضائل الكعبة من تأليفه. اه.
العقد الثمين [2/ 378] ، معجم البلدان [1/ 483] .
صفحة ٩٣
ثنا أبو محمد: إسحاق بن أحمد، ثنا أبو الوليد الأزرقي قال: قوله: «ثنا أبو محمد: إسحاق بن أحمد» :
الإمام المقرئ الحافظ المجود شيخ الحرم، ومحدث مكة أبو محمد الخزاعي. قرأ القرآن عن البزي، وعبد الوهاب بن فليح، وحدث عن ابن أبي عمر، وأبي الوليد الأزرقي صاحب تاريخ مكة، قال الحافظ الذهبي:
كان ثقة متقنا، ذكر أنه تلا على ابن فليح مئة وعشرين ختمة، وله مصنفات في القراءات، قرأ عليه ابن شنبوذ والمطوعي وغيرهما، وتوفي سنة ثمان وثلاث مائة.
سير أعلام النبلاء [4/ 289] ، معرفة القراء الكبار [1/ 184] ، الوافي بالوفيات [8/ 403] ، العقد الثمين [3/ 290] ، غاية النهاية [1/ 156] ، البداية والنهاية [11/ 131] ، تاريخ الإسلام [وفيات 308، ص: 229] ، العبر [2/ 136] ، الشذرات [2/ 252] .
قوله: «ثنا أبو الوليد الأزرقي» :
هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة الغساني، الإمام الحافظ مؤرخ مكة، روى فيه عن جده، وروى عن ابن أبي عمر العدني وجماعة، وذكر النووي في تهذيب الأسماء أنه روى عن الشافعي، فوهمه بذلك الفاسي في تاريخ مكة وقال:
إنما نشأ وهمه من أمرين:
أحدهما: أن الذين صنفوا في طبقات الشافعية لم يذكروا في أصحاب الشافعي إلا أحمد بن محمد جد أبي الوليد هذا.
الثاني: أن جده يكنى أيضا بأبي الوليد فظنه النووي أنه هو، قال: ولو أن أبا الوليد- يعني الحفيد- روى عن الشافعي لأخرج عنه في تاريخه ؛ لما له من الجلالة والعظمة، كما أخرج عن ابن أبي عمر، وجده، وإبراهيم بن محمد الشافعي ابن عم الإمام الشافعي. -
صفحة ٩٤
حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، - قال: وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكلام النووي فإنه ممن يعتمد عليه وهذا مما لا ريب فيه.
العقد الثمين [2/ 49- 50] ، الأنساب [1/ 122] ، تهذيب الأسماء اللغات [3/ 150] .
قوله: «حدثني جدي» :
هو الإمام الحافظ الثقة: أبو الوليد- وأبو محمد الأزرقي- أحمد بن محمد ابن عقبة بن الأزرق الغساني، جد صاحب تاريخ مكة، وأحد شيوخ البخاري في الصحيح، وثقه الجمهور.
تهذيب الكمال [1/ 480] ، تهذيب التهذيب [1/ 68] ، الكاشف [1/ 27] ، إكمال مغلطاي [1/ 140] ، العقد الثمين [3/ 177] ، التعديل والتجريح [1/ 318] .
قوله: «عن سعيد بن سالم» :
هو القداح، أبو عثمان المكي، من رجال أبي داود والنسائي، صدوق، حسن الحديث، قال غير واحد: ليس به بأس، يقال: كان مرجئا.
تهذيب الكمال [10/ 454] ، تهذيب التهذيب [4/ 31] ، الكاشف [1/ 286] .
قوله: «عن عثمان بن ساج» :
هو عثمان بن عمرو بن ساج، ينسب إلى جده، وكنيته: أبو ساج القرشي، الجزري، مولى بني أمية، من رجال النسائي، قال الذهبي في الميزان:
مقارب الحديث، وقال الحافظ في التقريب: فيه ضعف.
تهذيب الكمال [19/ 467] ، تهذيب التهذيب [7/ 131] ، الكاشف [2/ 23] ، الميزان [3/ 446] ، التقريب [/ 386] الترجمة رقم 4506.
صفحة ٩٥
عن محمد بن إسحاق، قال: سار تبع الأول إلى الكعبة وأراد هدمها، قوله: «عن محمد بن إسحاق» :
ابن يسار، الإمام الحافظ الإخباري الصدوق أبو بكر القرشي المطلبي، مولى قيس ابن مخرمة، رأى أنس بن مالك، وروى عن بعض من التابعين، وكان صاحب علم وحديث، يشهد له بذلك كتبه في السير والمغازي، ويكفيه فخرا قول الشافعي رحمه الله: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق.
ثم اختلف أهل العلم بالحديث في الاحتجاج به مع عدم استغنائهم عن حديثه، والحق أنه صدوق، حديثه لا ينزل عن الحسن لولا ما اشتهر به من التدليس، فإذا ما صرح بالتحديث فهو قوي، والمتشددون لا يرفعونه إلى الحجة، قال الذهبي في الكاشف: من بحور العلم، وله غرائب تستنكر في سعة ما روى، واختلف في الاحتجاج به، وحديثه حسن ، وقد صححه جماعة. اه، وانظر:
تهذيب الكمال [24/ 405] ، سير أعلام النبلاء [7/ 33] ، الثقات لابن حبان [7/ 380] ، طبقات ابن سعد [7/ 321] ، الكامل لابن عدي [6/ 2116] ، الميزان [4/ 388] ، تهذيب التهذيب [9/ 34] ، الكاشف [3/ 18] ، التقريب [/ 467] الترجمة رقم 5725.
قوله: «سار تبع الأول» :
الخبر في تاريخ أبي الوليد بسياق مختلف عن سياق المصنف هنا.
وقد اختلف في اسمه وتعينه فقيل: تبع لقب للملك الأكبر بلغة أهل اليمن، ككسرى بالفارسية، وقيصر بالرومية، والنجاشي بلغة الحبشة، وهو: حسان ابن تبع بن أسعد بن كرب الحميري، وقيل: هو تبع بن حسان بن ملكي كرب- أو كليكرب- بن تبع بن الأقرن، قال ابن قتيبة في المعارف: وهو تبع الأصغر، آخر التبابعة، قال: ويقول قوم: إنه تبع الأوسط، وهو أول من كسا البيت، وقد قيل: إن تبع الأوسط أسعد أبو كرب هو الذي كسا البيت الأقطاع، وهو الذي آمن بمحمد، فالله أعلم.
صفحة ٩٦
وكان من الخمسة الذين كانت لهم الدنيا بأسرها، وكان له وزراء، فاختار واحدا وأخرجه معه، وكان يسمى عماريسا لينظر إلى مملكته، وخرج في مائة ألف وثلاثة وثلاثين ألفا من الفرسان، ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة، وكان يدخل في كل بلدة، وكانوا يعظمونه، وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائها، حتى جاء إلى مكة، وكان معه أربعة آلاف رجل من العلماء والحكماء الذين اختارهم من بلدان مختلفة، فلم يتحرك أهل مكة ولم يعظموه، فغضب عليهم، ودعا عماريسا، وقال له: كيف شأن أهل هذه البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري، كيف شأنهم وأثرهم؟ فقال الوزير: أيها الملك إنهم قوم عربيون جاهلون لا يعرفون شيئا، وإن لهم بيتا يقال له كعبة، وإنهم معجبون بها، ويسجدون للطاغوت والأصنام دون الله، قال الملك: إنهم معجبون بهذا البيت؟ قال: نعم.
فنزل ببطحاء مكة مع عسكره، وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت، وأن الذي يسمى كعبة يسمى خربة، وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم، فأخذه الله بالصداع وفتح من عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا، فلم يصبر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح، فاستيقظ لذلك، وقال لوزيره: اجمع العلماء والأطباء، وشاورهم في أمري، فاجتمع الأطباء عنده، فلم يصبر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح، ولم يمكنهم مداواته، فقال: قد جمعت الحكماء من بلدان مختلفة، ووقعت لي هذه العلة ولم يقم أحد في مداواتي؟! فقالوا بأجمعهم: إنا قوم أمرنا الدنيا، وهذا أمر سماوي، لا نستطيع رد أمر السماء.
قوله: «رد أمر السماء» :
كذا في رواية ابن عساكر، وفي الأصول: ردا من السماء.
صفحة ٩٧
واشتد الأمر على الملك، فتفرق الناس، وأمره كل ساعة كان يشتد، حتى أقبل الليل.
وجاء أحد العلماء إلى وزيره وقال: إن بيني وبينك سرا، وهو: إن كان الملك يصدق لي في كلامه وما نواه: عالجته، فاستبشر الوزير بذلك، وأخذ بيده وحمله إلى الملك، وقال للملك: إن رجلا من العلماء ذكر: إن صدق الملك له ما نواه في قلبه ولم يكتمه شيئا منه عالجته، فاستبشر الملك بذلك، وأذن له بالدخول عليه، فدخل فقال: بيني وبينك سرا أريد الخلوة، فخلا به، فقال له: هل نويت في هذا البيت أمرا؟
قال: نعم، قد نويت أن أخرب هذا البيت، وأقتل رجاله.
فقال: إن وجعك وبلاءك من هذا، اعلم أن صاحب هذا البيت قوي يعلم الأسرار، فأخرج من قبلك جميع ما هممت به من أذى هذا البيت، ولك خير الدنيا والآخرة.
قال الملك: أفعل، قد أخرجت جميع المكروهات من قلبي، ونويت جميع الخيرات والمعروفات.
قال: فلم يخرج العالم من عنده حتى برأ من العلة، وعافاه الله جل جلاله بقدرته، فآمن بالله من ساعته، وخرج من منزله صحيحا على دين إبراهيم عليه السلام، وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أول من كسا البيت، ودعا أهل مملكته، وأمرهم بحفظ الكعبة، وخرج هو إلى يثرب، ويثرب بقعة فيها عين من ماء، ليس فيها بناء ولا نبت ولا أحد، فنزل على رأس العين مع عسكره، فجمع العلماء والحكماء الذين كانوا معه من الذين اختارهم من بلدان مختلفة ورئيس العلماء العالم الناصح الشفيق لدين الله الذي أعلم الملك بشأن الكعبة، وأخرج الملك من بلائه بحسن نيته في شأن الكعبة.
صفحة ٩٨
ثم إنهم اجتمعوا وتشاوروا، فاعتزل من بين أربعة آلاف أربعمائة- منهم صاحبه- أنهم لا يخرجون من ذلك المقام وإن ضربهم الملك وقتلهم وقرضهم وحرقهم، وجاءوا بجملتهم، ووقفوا بباب الملك وقالوا: إنا خرجنا من بلداننا، وطفنا مع الملك زمانا وجئنا هذا المقام إلى أن نموت فيه، فإنا قد عقدنا أن لا نخرج من هذا المقام وإن قتلنا وحرقنا.
فقال الملك للوزير: انظر ما شأنهم، يمتنعون عن الخروج معي وأنا أحتاج إليهم ولا أستغني عنهم، وأي حكمة في نزولهم في هذا المقام واختيارهم ذلك؟
فخرج الوزير وجمعهم، وذكر لهم قول الملك، فقالوا للوزير مثل ما قالوا للملك، فقال الوزير: فما الحكمة في ذلك؟
قالوا: اعلم أيها الوزير أن شرف هذا البيت وشرف هذه البلدة بسبب شرف الرجل الذي يخرج يقال له: محمد، إمام الحق، صاحب القضيب والناقة، صاحب التاج والهراوة، صاحب القرآن والقبلة، صاحب اللواء والمنبر، صاحب قول لا إله إلا الله، مولده بمكة، وهجرته إلى ههنا، فطوبى لمن أدركه، وآمن به، وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا.
فلما سمع الوزير مقالتهم هم أن يقيم معهم، فلما جاء وقت الرحيل أمر الملك أن يرتحلوا، فقالوا بأجمعهم: لا نرتحل، وقد أخبرنا الوزير بحكمة مقامنا ههنا، فدعا الملك الوزير وقال له: لم لم تخبرني بمقالة القوم؟ فقال: قد عزمت على المقام معهم وخفت ألا تدعني، واعلم أنهم لا يخرجون.
صفحة ٩٩
فلما سمع الملك منه تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دار، لكل واحد من أولئك العلماء دارا، واشترى لكل واحد منهم جارية، وأعتقها، وزوجها منه، وأعطى كل واحد منهم عطاء جزيلا، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب كتابا وختمه بالذهب، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه ، وإن لم يدركه دفعه إلى أولاده، ويوصي لهم بمثل ذلك، وكذلك إلى أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان في الكتاب:
أما بعد، يا محمد- صلى الله عليك- إني آمنت بك، وبكتابك قوله: «إني آمنت بك» :
أخرج أبو نعيم في الدلائل- فيما ذكره السيوطي في الدر المنثور- عن عبد الله بن سلام قال: لم يمت تبع حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لما كان يهود يثرب يخبرونه.
وأخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 158- 159] ، ومن طريقه ابن عساكر [11/ 14] بإسناد فيه الواقدي من حديث ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة فبعث إلى أحبار اليهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب، فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة، اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي أنت فيه يكون به من القتلى والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عددهم، قال تبع: ومن يقاتلهم يومئذ وهو نبي كما تزعم؟
قال: يسير إليه قوم فيقتتلون ههنا، قال: فأين قبره؟ قال: بهذه البلد، قال:
فإذا قوتل لمن تكون الدبرة؟ قال: تكون عليه مرة، وله مرة، وبهذا المكان-
صفحة ١٠٠
الذي أنزل الله عليك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربك ورب كل شيء، وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإيمان والإسلام، وأنا قبلت ذلك، فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين، وبايعتك قبل مجيئك، وقبل إرسال الله إياك، وأنا على ملتك وملة إبراهيم أبيك خليل الله- صلى الله عليه وسلم-، وختم الكتاب بالذهب، ونقش عليه: لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله، وكتب على عنوان الكتاب: إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين، ورسول رب العالمين صلوات الله عليه، من تبع الأول حمير بن وردع أمانة الله في يد من وقع إليه أن يوصله إلى صاحبه.
- الذي أنت عليه يكون عليه، ويقتل به أصحابه مقتلة عظيمة لم يقتلوا في موطن، ثم تكون العاقبة له، ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد، قال: وما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة، يركب البعير، ويلبس الشملة، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى: أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره، قال تبع: ما إلى هذه البلد من سبيل، وما كان ليكون أن خرابها على يدي، فخرج منصرفا إلى اليمن.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه [11/ 18] من حديث عباد بن زياد المري عمن أدرك قال: أقبل تبع يفتتح المدائن ويقاتل العرب حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود، فظهر على أهلها وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج نبي مكة، يكون قراره بها، اسمه أحمد، وأخبروه أنه لا يدركه، فقال تبع للأوس والخزرج: أقيموا بهذه البلدة فإن خرج فيكم فوازروه، وصدقوه، وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وأنشد يقول:
حدثت أن رسول المليك ... يخرج حقا بأرض الحرم
ولو مد دهري إلى دهره ... لكنت وزيرا له وابن عم
صفحة ١٠١
ودفع الكتاب إلى الرجل العالم الذي نصح له في شأن الكعبة، وأمره أن يحفظه.
وخرج تبع من يثرب- ويثرب هذه هي الموضع الذي نزل فيه العلماء، وهي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم-، وخرج تبع وسار حتى مات بغلسان- بلد من بلدان الهند-، ومن اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سنة، لا زيادة فيها ولا نقصان.
ثم إن أهل المدينة الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد أولئك العلماء الأربع مائة الذين سكنوا دور تبع الأول إلى بعث محمد صلى الله عليه وسلم.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوا بخروجه استشاروا في إيصال الكتاب إليه فأشار عليهم عبد الرحمن بن عوف أن اختاروا رجلا ثقة، فاختاروا رجلا يقال له: أبو ليلى- وكان من الأنصار - ودفعوا إليه الكتاب، وخرج من المدينة على طريق مكة فوجد محمدا صلى الله عليه وسلم في قبيلة بني سليم فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: أنت أبو ليلى؟ قال: نعم، قال: ومعك كتاب تبع الأول؟ فبقي الرجل متفكرا، وذكر في نفسه:
إن هذا من العجائب، ولم يعرفه، فقال: من أنت فإني لست أعرف في وجهك أثر السحر؟ وتوهم أنه ساحر، فقال: لا، بل أنا محمد رسول الله، هات الكتاب، ففتح الرجل رحله- وكان يخفي الكتاب- فأخرجه ودفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعه إلى علي بن أبي طالب قوله: «لا زيادة فيها ولا نقصان» :
وقيل: سبعمائة سنة، حكاه الماوردي في الأعلام [/ 230] عن ابن قتيبة.
قوله: «فدفعه إلى علي بن أبي طالب» :
كذا في الأصول عندنا. وفي رواية ابن عساكر- وهي من طريق المصنف-:
فقرأه أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحتمل.
صفحة ١٠٢
فقرأه عليه، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام تبع قال: مرحبا بالأخ الصالح- ثلاث مرات-، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة، فرجع وبشر القوم، فأعطاه كل واحد منهم عطاء على تلك البشارة.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أهل القبائل أن ينزل عليهم، وتعلقوا بناقته، فقال: دعوها فإنها مأمورة، حتى جاءت إلى دار أبي أيوب فبركت، قوله: «مرحبا بالأخ الصالح» :
أخرج الإمام أحمد في مسنده [5/ 340]- واللفظ له-، وابن أبي حاتم في تفسيره [10/ 3289] رقم 18554، والطبراني في معجمه الكبير [6/ 250] رقم 6013 من حديث سهل بن سعد مرفوعا: لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم.
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير [11/ 196] من حديث عكرمة عن ابن عباس مثله.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه [11/ 6] من حديث عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما.
وأخرج الحافظ عبد الرزاق في التفسير من المصنف [2/ 209] من حديث وهب بن منبه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن سب أسعد- وهو تبع-، قلنا: يا أبا عبد الله وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم عليه السلام، وكان إبراهيم يصلي كل يوم صلاة ولم تكن شريعة.
وأخرج من حديث قتادة عن عائشة قالت: كان تبع رجلا صالحا، قال كعب: ذم الله قومه ولم يذمه.
قوله: «دعوها فإنها مأمورة» :
أخرج سعيد بن منصور في سننه برقم 2978، ومن طريقه البيهقي في الدلائل [2/ 509] ، والطبراني في الأوسط [4/ 330] رقم 3568، من حديث ابن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فاستناخت به راحلته بين دار جعفر بن محمد بن علي ودار الحسن بن زيد، وأتاه الناس فقالوا: -
صفحة ١٠٣
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب، وأبو أيوب كان من أولاد العالم الناصح لتبع في شأن الكعبة، فكانوا ينتظرونه، وهم من أولاد العلماء- يا رسول الله، المنزل؟! فانبعثت به راحلته، فقال: «دعوها فإنها مأمورة» ، ثم خرجت به حتى جاءت به موضع المنبر فاستناخت به، ثم تحلحلت، ولنا خص ثم عريش، فأتوا يرشونه ويعمرونه ويتبردون فيه حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته، فأوى إلى الظل فنزل فيه، فأتاه أبو أيوب فقال: يا رسول الله منزلي أقرب المنازل إليك فانقل رحلك إلي. قال: نعم، فذهب برحله إلى المنزل، ثم أتاه رجل آخر فقال: يا رسول الله انزل علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل مع رحله حيث كان، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش اثنتي عشرة ليلة حتى بني المسجد.
قال الطبراني: تفرد به سعيد بن منصور. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [6/ 63] : فيه صديق بن موسى، قال الذهبي: ليس بحجة.
قلت: وأخرج البيهقي في الدلائل [2/ 508] من حديث إبراهيم بن صرمة، ثنا يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما دخل جاءت الأنصار برجالها ونسائها، فقالوا: إلينا يا رسول الله، فقال: دعوا الناقة فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب، وخرجت جوار بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن:
نحن جوار بني النجار ... يا حبذا محمدا من جار
... الحديث.
وأخرج ابن عدي في الكامل [2/ 591- 592] ، ومن طريقه ابن عساكر [16/ 43] من حديث ابن عمر قال: قال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل المدينة راشدا مهديا. قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج الناس ينظرون إلى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما مر على قوم قالوا: يا رسول الله هاهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها مأمورة- يعني ناقته-، حتى بركت على باب أبي أيوب. -
صفحة ١٠٤
الذين سكنوا يثرب في دور تبع التي بنى لهم، والدار التي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها هي الدار التي بنى تبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- في إسناده جسر بن فرقد وهو ضعيف، وفي الذي قبله إبراهيم بن صرمة، وسيأتي مزيد تخريج له عند حديث الهجرة وقدومه صلى الله عليه وسلم المدينة.
قوله: «التي بنى تبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم» :
أخرجه من طريق المصنف: ابن عساكر في تاريخه [11/ 10] بإسناده إلى أبي الحسن علي بن الحسن القرشي، ثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد الغازي النيسابوري، أنا الأستاذ أبو سعيد- كذا وصوابه: أبو سعد- عبد الملك ابن أبي عثمان الواعظ به.
وأخرج ابن إسحاق في سيرته [/ 52- 53] ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [11/ 14] ، في قصة مسير تبع قال: ثم إن تبعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قناة، فحفر فيها بئرا فهي اليوم تدعى بئر الملك، قال: وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج، فنصبوا له فقاتلوه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة وإلى أصحابه، فلما فعلوا به ليال، استحيا، فأرسل إليهم يريد صلحهم، فخرج إليه رجل من الأوس يقال له: أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن الأوس، وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي، فقال له أحيحة: أيها الملك نحن قومك، وقال بنيامين:
أيها الملك هذه بلدة لا تقدر على أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك، فقال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش.
وجاء تبعا مخبر خبره عن اليمن أنه بعث عليها نار تحرق كل ما مرت به، فخرج سريعا وخرج معه نفر من اليهود فيهم بنيامين وغيره وهو يقول: -
صفحة ١٠٥