ولقد كان علم السنة قرب زمن الإمام صلاح الدين الناصر محمد بن علي بن محمد وغيره من الأئمة ظاهرا في بلد الهدوية يقرونه ويستمعونه ويحلقون عليه في مثل صنعاء، وصعدة، وغيرهما ولم يعرج على نهي والده الإمام المهدي علي بن محمد وكان المتصدر ذلك التاريخ للتدريس جماعة من الهدوية الذين اعتنوا بالحديث وسمعوه ورحلوا إليه وغيرهم، فمن الهدوية الشيخ أحمد بن سليمان الأوزري -رحمه الله تعالى- كان يدرس في الست جميعا وغيره من العلماء في جامع صنعاء واستفاد كثير، ومازال ذلك كذلك ورحل جماعة إلى مكة المشرفة وتهامة وغيرها كالإمام السراجي يحيى بن محمد، والقاضي العلامة إبراهيم بن ساعد، والفقيه محمد الشاوري، والفقيه موسى بن سليمان بن أبي الرجال له رحلة وسمع كثيرا من كتب الحديث، ومن الأئمة الإمام عز الدين الحسن رحل من صعدة قبل الدعوة إلى قبة حرض بتهامة فدرس في الحديث على الشيخ يحيى العامري أكثر أمهات الست واستفاد عليه في الحديث ولازمه مدة قراءته، ومنهم السيد الهادي بن إبراهيم الوزير سمع بمكة المشرفة آخر مدته جامع الأصول على القاضي محمد بن عبد الله بن ضهيرة وصنوه محمد بن إبراهيم صاحب العواصم، والعلامة أبو القاسم بن محمد الشقيق سمع أكثر الست بمكة وغيرها وصنف في الحديث كتابا وسماه: السنام، وخرج أحاديثه وهو كتاب حسن، والسيد العلامة أحمد بن علي الأهندي الملقب رعين المحرابي رحل إلى المرواح، فقرأ على الولي الصديق الشافعي في كتب الحديث وخلائق كثير، فكان قراءة الحديث أولى من درس علوم اليونان كالمنطق ونحوه والعلماء لا يخفى عليهم وجه المتشابهات وردها إلى المحكمات إن شاء الله تعالى، والأحاديث الصحيحة المشروحة حسبما في الست وغيرها المتشابه منهما تحتمل للتأويل ظاهر فيه، وقد بينه شراح الأحاديث من أهل السنة ولم يعلموا بظاهرها يعرف ذلك من طالعها؛ لأنه لم يرون القول بالتشبيه ويحمل من منع من قراءتها هو عدم الأهلية والمعرفة برد المتشابه إلى المحكم، فأما العارف لذلك فلا حجر عليه فيه ولا منع أصلا، فالحق أحق أن يتبع على أنه لا وجه للمنع مطلقا كما لا تمنع العامة من قراءة القرآن مع أن فيه المتشابه إذ العامي يقرأ اللفظ ولا يعرف المعنى وإن ترقى إلى الفهم فلا بد أن يسأل العلماء فيوضحون المشتبه عليه وأما من أطلق عليها بأن فيها الجبر والتشبيه فهو غفله من صاحب ذلك ظاهره؛ لأنا لم نر فيها جبرا ولا تشبيها أصلا إلا من قبيل المتشابه وهو راجع إلى المحكم كما في القرآن الكريم سواء بسواء، وكيف لا وفيها الآداب الشرعية والأحكام النبوية التي تشرح الصدور وتجلب الخير والحبور مما اشتملت عليه، وقد قال تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر:7] والله الموفق للصواب. على أن بعض أهل الزمان من الهدوية قد عموا القضية فذكروا قراءة الحديث على الإطلاق الذي فيه المتشابه والذي فيه غير ذلك ولله قول الشاعر:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
قوله: من يعرى عباد الله بالمعاصي، وحديث: (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء يقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله) لهم الحديث وهو في صحيح مسلم وغيره.
قال القاضي: والله يقول: { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } [محمد:38] وقال تعالى: { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } [هود:3].
صفحة ٣٣