فانظر أيها المنصف ما في هذا الكلام من الاضطراب الذي حاصله أنه إسناد لبعض دون بعض، ثم كون الإسناد راجع إلى أصل طرق الشرع التي هي الإجماع والاجتهاد والعمل بأفعاله وتروكه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم فرع على هذا الأصل المذكور السند للكتب واجتهاد العلماء كونها راجعة إلى ذلك الأصل وهذا بالضرورة وليس بإسناد للأخبار قطعا، فظهر لك أن السند ليس هو حقيقته للمؤيد بالله، وإنما أصله للدواري المذكور اصطلحه بهذا الاعتبار فنقله من نقل إلى أول شرح "التجريد"، ونقله الإمام شرف الدين أيضا.
ثم إن الروايات في الكتابين شعره بذلك، ويؤكده أيضا ما يرويه عن أبي بكر المقري وهو من جملة الحفاظ ترجم له الذهبي في "التذكرة" وهو ممن أخذه عليه المؤيد بالله بغير واسطة وله مسند في الحديث على أن خطبة شرح "التجريد" إنما هي ملصقة، فالظاهر أنها ملصقة من غير المصنف بدليل أن خطبته الأصلية غيرها عقبها، بدليل أني وقفت على نسخة قديمة جدا ليس فيها هذه الخطبة الملصقة وإنما قيد الخطبة الأصلية الصغيرة خطبة الكتاب، والضرورة من أسانيده في كتابه _رحمه الله تعالى- تخالف ذلك؛ لأنه يذكر في كتابه أكثرها عن غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن تلك الأحاديث إنما هي له بالنقل والرواية عن كتب الحديث: ك"سنن أبي داود" و"شرح الآثار" للطحاوي وكتاب أبي جعفر الجصاص الحنفي وعن أبي بكر المقري يرويه في كتابه كذلك، ومعلوم أنها ليست من طرق الهادي ضرورة، ثم إنها إذا كانت الخطبة من أصل الكتاب حمل عمومها وإطلاقها على الخصوص والتقييد بأن تلك لا في كتابه جميعا ما جاء من طرق أهل البيت ومن طرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيزول الإشكال مع ذلك في "البحر" في أوائل كتاب النكاح تبعا لأصله "الانتصار" والله عند لسان كل قائل.
صفحة ١١