على أني أعجب للمسروقين لماذا يغضبهم أنهم لا ينتبهون لمرور الساعة الرهيبة؛ أهذا جزاء المعروف، يا سادتي؟ أما البوليس فلا اعتراض على وقفته: يقف في النهار بكرامة، وعلى مقربة منه تتخاصم الناس وتتصادم المركبات، وهو - ولله الحمد - واقف بالسلامة، منصوب قوامه إلا من طرفيه كالألف المتقنة الصنع، وهذا يزيده شبها بإله الحدود القديم عند الرومان.
أستغفر الله! لست أعني أنه يظل واقفا كالتمثال! كلا ثم كلا! إنه يمشي أحيانا، ويرفع يده مسلما على بعض المارين في المركبات، وطرف حديث مع الإخوان لا يزعجه بل بالعكس، وهو مع ذلك متمم أمور وظيفته، فإذا رأى قبيل المساء حوذيا لم ينور شمعتي مركبته صاح إله الحدود الجديد باسطا ذراعيه إلى الأمام وقال: «نور يا أسطى!» إنه لبطل شجاع لا يحابي أحدا، وهو لا يخشى هولا إذا ما أمره الواجب! علينا أن نعترف من جهة أخرى بأن الحوذي يطيع مرة في المئة ويعصي تسعا وتسعين مرة، مكتفيا بأن يجيب على أمر البوليس «حاضر يا سيدي»! يقول المثل «لاقني ولا تعشني.» وكذا يعمل الحوذي؛ لأن ثقته في حلم البوليس لا حد لها، مهما كان المرء بوليسا فإنه يظل إنسانا رحيما.
هذه حالة البوليس في النهار، أما عن الليل فلا تسلني! قيل لي في قديم الزمان وسالف العصر والأوان إن بوليس الليل يدعى خفيرا، وهو كذلك. إنه ما زال بوليسا معتبرا ما دام قائما مقام البوليس، ولا أعرف عن هذا البطل الآخر سوى حادثة صغيرة جرت في شارعنا منذ أسبوعين تقريبا: دخل لص بيتا فأفاق أهل البيت، وانتبه الجيران، وقبض هؤلاء وأولئك على اللص وشريكه، ثم تساءلوا أين البوليس أو القائم مقامه، فبعد أن بحثوا عن رجل الساعة وجدوه نائما كطفل بريء ... فأيقظوه! ويل لقساة القلوب إنهم لا يشفقون!
من ألذ أخبار اليوم حوادث ثلاث: سرقتان لمبالغ 50 جنيها و115 جنيها من بعض المخازن، وسرقة حلي وجواهر من منزل سيدة وطنية بقيمة خمسين ألفا من الفرنكات.
بارك الله فيكم أيها اللصوص! إن ضاعت أيامكم فإن لياليكم لا تضيع! تذكرون قول الأمريكان «الوقت من ذهب»، وقول السويسريين «السكوت من ذهب» وتستخدمون الوقت والسكوت معا، فينقلب الذهبان بين أيديكم لآلئ وجواهر! بارك الله فيكم جميعا! أليس كذلك أيها القارئ اللبيب؟
والبوليس؟ لا توقظوه! إنه نائم بالسلامة كطفل بريء ...
دنا عيد الميلاد ...
دنا عيد الميلاد وجاءت معه جميع الذكريات والتصورات والمعاني الخاصة به. غدا يلقي الواعظون من على المنابر كلمات الرفق والإحسان والغفران، وينشد المنشدون «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام»، فيسمع الناس الأناشيد والمواعظ ولا يحاولون إدراك كنهها، وإن أدركوا فلا يعتقدون بوجوب تطبيقها على أعمالهم؛ لأنها كجميع النصائح تقل قيمتها بالتكرار ويستخف بها كلما تبرع بها المتبرعون.
المجد لله ليس في العلى الذي لا نعلم ما هو فحسب، بل المجد له في كل مكان وكل زمان. أما السلام فليس على الأرض في أيامنا، ولا ينتظر أن يحل عليها قبل أن يتغير نظام الكون وهو التصارع والتقاتل الذي لا يفتر ولا يضعف.
منذ مئات الأعوام والدهور تتجاوب كلمات المحبة والمساواة، أما الأعمال فلا يظهر فيها غير تنازع البقاء وتنازع القوة، وتنازع الغلبة والظفر بين الأفراد والجماعات في شئون العمران والدين والطبيعة. ليس غير التنازع من سبب في أن تقيم الفنادق الكبرى شجرة عيد الميلاد ليدور حولها الراقصون الراغبون في نسيان همومهم وتسريح غمومهم. وهو، هو باعث نظرات السرور في عيني طفل يرقب لعيبات ودمى وخيلا وأسلحة ومركبات عمرت بها نوافذ المحال التجارية. وهو منبه الذكرى في نفوسنا ومعيدنا إلى أيام كنا نرى في هذه اللعيبات الكون بأسره، كما أنه في الوقت ذاته العاطفة التي تحولنا عن هذه الأشياء إلى ما هو خير منها، أو ليس هو ذلك التنازع في شكل مجاملة، صارت بالاستمرار إخلاصا اجتماعيا، الذي يجعلني أقول: كل عام وأنتم ...
صفحة غير معروفة