ففيه أن القدوة قد تتجزأ ، فقد يكون الرجل قدوة في العلم لا في العبادة ، أو العكس ، وقد يكون قدوة في الحرب دون العلم ، لكن ذلك لا يوصف بالإمامة المطلقة ، فلا يكون العبد أمة حتى يجمع خصال الخير فيكون شبيها بإبراهيم ، جامعا لخصال الخير معلما لها ، فيكون كأمة فيها من الرجال من يتصف بخصال من الخير لا تجتمع في واحد منهم لكنها بمجموعها موجودة في الأمة ، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يصف معاذا رضي الله عنه بأنه أمة ،وأنت إذا تمعنت في الموصوفين بالإمامة في تاريخنا الإسلامي تجدهم بهذه المثابة ، فقد جمعوا رحمهم الله البروز في عامة نواحي الخير وكانوا معلمين لها وطرح الله لهم القبول في الأرض فأصبحوا هم القدوات لعامة المنتسبين للإسلام كالخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة وغيرهم ممن شابههم وسار على دربهم .
وبالجمع بين هاتين الآيتين تعرف جانبا مهما في الإمامة المطلقة ، وأنه من الخطأ إطلاق اسم الإمامة على من اشتهر قصورهم في نواحي مهمة في الاعتقاد أو السلوك أو غير ذلك .
3 . قال تعالى : { واجعلنا للمتقين إماما } [ الفرقان :74 ]
قال ابن جرير : ( معناه : واجعلنا للمتقين إماما يأتمون بنا في الخيرات) .
وقد استدل بها بعض المفسرين على استحباب طلب الرياسة في الدين ، وهذا منهم استدلال رائق ، غير أنهم لا يعنون أن يحارب الرجل ليفرض إمامته على الناس ، ويتسمى بها دون أن يسميه أحد بذلك ، كما لا يعنون أن يلجأ أتباع كل مدع أو عالم أو داعية إلى الغلو في صاحبهم وتفخيمه بوصفه بالإمامة المطلقة ، مع ما قد يتصف به من الخزايا التي لا تليق بمؤمن عادي فكيف بإمام؟.
صفحة ٤