ومن وجه آخر فهو لم يتخذ ما يعلمه من النصوص حجة له في التخاذل والقعود عن نصرة الدين ، كان يمكنه الاتكاء على نصوص الاستطاعة والتقية كما نتكىء نحن في هذا العصر ونتخذ من تلك النصوص ذريعة في تركنا ما لابد لنا من الإنكار والتوجيه ، قال البوشنجي : ( جعلوا يذاكرون أبا عبدالله بالرقة في التقية وما روي فيها (1) فقال : كيف تصنعون بحديث خباب " إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار لا يصده ذلك عن دينه " فأيسنا منه )(2) ، وكان حجته في هذا قوله : ( إذا سكت أنت وسكت أنا متى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ) ، وصدق رحمه الله ، فإذا سكت كل طالب علم بحجة التقية وعدم الاستطاعة فمتى يعرف الحق ؟ ثم اين نذهب بنصوص التضحية والجهاد وبذل النفس والعرض والمال في سبيل الله ، فليس المقصود من ذلك فقط في ساحة المعركة ، بل في أي وقت وزمان ومكان يكون فيه الصدع بالحق ثمنه نفس الصادع أو ماله .
فالتقية إن صلحت لعامة الناس ، لم تصلح للعلماء ، وإن صلحت في موقف لم تصلح في آخر يكون في السكوت مزلة للأمة وغش لها .
- - - - -
رقة طبعه وشفقته
لم يكن رحمه الله جبارا قاسيا ، بل كان له طبع رقيق ، ونفس شفافة ، حتى في معاملة أعدائه ، لم يكن تمسكه بالسنة وغيرته عليها يعميه عن أصله الإنساني الإيماني ، فإن المؤمن رحمة لكل الناس ، ولا يأخذ البريء بذنب الجاني .
صفحة ٢٠