وبطبيعة الحال فإن هؤلاء الذين قالوا ما قالوا : لم يكن ينقصهم العلم ولا التقوى ليقوموا مقام أحمد ، لكن كما قلنا لم يكن لهم من القوة والصرامة والتمسك العقدي ما كان لأحمد رحمه الله تعالى كما قال أبو خيثمة (1): ( ما رأيت مثل أحمد ولا أشد منه قلبا )(2) ، بل قال صاحب شرطة المأمون : ( ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان ولا خالط الملوك كان أثبت قلبا من أحمد يومئذ ، ما نحن في عينيه إلا كأمثال الذباب )(3)ومع ذلك لم يكن جبارا لايحس بألم ولا يبالي بوجع ، بل يحكي هو عن نفسه أنه قال أيام المحنة : ( إنما أخاف فتنة السوط )(4)، لكنه يفعل ذلك احتسابا لوجه الله وتحملا للأذى في سبيل الدعوة فهو حقا مقام الأنبياء عليهم السلام .
صفحة ١٩