قوته في الحق ووقوفه في وجه أهل البدع إنما حصل له ذلك لقيامه بشريعة الإنكار والتغيير للمنكر ، ولاشك أن من أشد المنكرات ، المنكرات الفكرية ، أعني الإسقاطات العلمية التي يلجأ إليها أهل البدع ، وهو نوع من التحريف ، الذي يسمونه تأويلا ، وهو اعتداء صارخ على مرجعية الكتاب والسنة ، ولهذا لم يكن الإمام رحمه الله تعالى يسكت عن قمع التعديات على السنة ، فكان ينكرها ويأمر بهجر أصحابها ويتحمل في سبيل ذلك الأذى ، وقد كان في عصره من هو في العلم على قدر كبير ربما يقاربه ولكن لم يكن لديه الجرأة والاحتساب الذين كانا للإمام رحمه الله ، ولذلك لما قيل لبشر الحافي(1):(لو أنك خرجت فقلت : إني على قول أحمد ، قال : تريدون أن أقوم مقام الأنبياء )(2)، هذه هي ، لقد قام الإمام رحمه الله تعالى مقام الأنبياء ، ولهذا استحق قول قتيبة(3) : ( إذا رأيت رجلا يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة)(4)وقوله : ( لولا أحمد لأحدثوا في الدين )(5)، وقيل لأبي مسهر الغساني(6): تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها ؟ قال : شاب في ناحية المشرق يعني : أحمد )(7) ، وقال إسحاق بن راهوية (1): ( لولا أحمد وبذل نفسه لذهب الإسلام )(2) ، وقال علي بن المديني(3): ( أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة )(4).
وقال ابن معين (5): ( أرادوا أن أكون مثل أحمد ، والله لا أكون مثله أبدا )(6).
صفحة ١٨